Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 10-12)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } بعدما سجلنا عليهم الكفر وحكمنا شقاوتهم حكماً مبرماً ، لا يفيدهم إنذارك يا أكمل الرسل وإرشادك إياهم ، بل { سَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } [ يس : 10 ] إذ ختمنا على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة غليظة مانعة عن قبول الحق والتذكر به وإبصار علاماته ، وبالجملة : هم مقضيون في سباق علمنا ولوح قضائنا بالعذاب الأليم والضلال البعيد ، فلا تتعب نفسك يا أكمل الرسل في هدايتهم وإرشادهم ، إنك لا تهدي من أحببت من قرابتك وأرحامك ، ولكن الله يهدي من يشاء ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، إن الله عليم بما يصنعون من الكفر والإصرار . { إِنَّمَا تُنذِرُ } ويقبل منك الإنذار المصلح والإرشاد المفيد { مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } أي : سمع القرآن سمع قبول ، وامتثل بأوامره ونواهيه عن تدرب تام وتأمل صادق ، واتعظ بتذكيراته ، واعتبر عن عبره وأمثاله { وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ } أي : خاف عن قهره وانتقامه واجتنب عن سخطه وغضبه ملتبساً { بِٱلْغَيْبِ } أي : قبل نزول العذاب وحلوله ، معتقداً أنه سبحانه قادر على جميع أنواع الانتقامات { فَبَشِّرْهُ } يا أكمل الرسل بعدما سمع بالآيات سمع قبول ورضاً ، وامتثل بما فيها مخلصاً ، خائفاً ، راجياً { بِمَغْفِرَةٍ } لفرطاته المتقدمة { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } [ يس : 11 ] لأعماله الصالحة الخالصة بلا فوت شيء منها ، بل بأضعافها وآلافها عناية منا إياه وتفضلاً عليه . وكيف يفوت عن إحاطة علمنا شيء من حقوق عبادنا { إِنَّا } من مقام عظيم جودنا وكمال قدرتنا { نَحْنُ نُحْيِي } ونهدي حسب اقتضاء تجلياتنا اللطيفة والجمالية { ٱلْمَوْتَىٰ } الهالكين بموت الجهل والضلال ، التائهين في بيداء الوهم والخيال حيارى سكارى ، مدهوشين ، محبوسين ، مسجونين في مضيق الإمكان بحياة العلم الإيمان والتوحيد والعرفان { وَنَكْتُبُ } في لوح قضائنا وحضرة علمنا جميع { مَا قَدَّمُواْ } وأسلفوا لأنفسهم من خير وشر ، وحسنة وسيئة ، بحيث لا يشذ منها شيء لنجازيهم بها على مقتضاها { وَ } نكتب أيضاً { آثَارَهُمْ } من السنن المستحسنة والأخلاق المحمودة والآداب المرضية المقبولة ، وكذا أيضاً ما سنوا ووضعوا من أسوأ العادات والأخلاق وأخسها { وَ } بالجملة : { كُلَّ شيْءٍ } صدر ويصدر من عبادنا { أَحْصَيْنَاهُ } وفصلناه بحيث لا يشذ عن حيطة إحصائنا وتفصيلنا شيء من نقير وقطمير ، بل الكل مكتوب مثبت { فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } هو لوح قضائنا وحضرة علمنا .