Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 28-35)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بعدما قتلوه ورفعناه عنايةً منا إياه ، وأدخلناه في جنة وحدتنا مغفوراً مسروراً ، وكشفنا عنه غطاءه ، أخذنا في انتقام قومه عنه ، فأهلكناهم بصيحة واحدة صاح بها جبريل عليه السلام بأمرنا إياه { مَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ } أي : قوم الحبيب ، وهم أهل أنطاكية { مِن بَعْدِهِ } أي : بعد قتله ؛ لننتقم عنهم لأجله { مِن جُندٍ مِّنَ } جنود { ٱلسَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } [ يس : 28 ] أي : ما ثبت منا ، وما جرى في لوح قضائنا إنمال الملائكة لإهلاكهم كما جرت سنتنا لإهلاك سائر الأمم الهالكة . بل { إِن كَانَتْ } أي : ما كانت علة هلاكهمه { إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } أي : ما وقعت وصدرت منا لإهلاكهم إلا صيحة واحدة - على القراءتين بالرفع والنصب - وذلك أنا بمقتضى قهرنا وجلالنا أمرنا جبريل عليه السلام بأن يأخذ بعضادة باب مدينتهم ، فأخذ وصاح عليهم مرة واحدة { فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } [ يس : 29 ] أي : فاجئوا جميعاً على الخمود والجمود بعدما سمعوا الصيحة الهائلة ؛ يعني : صاروا كالرماد بعدما كانوا أحياء كالنار المشتعلة الساطعة . ثم قال سبحاه من قبل عصاة عباده ، المأخوذين بشؤم ما اقترفوا من المعاصي والآثام : { يٰحَسْرَةً } وندامة وكآبة عظيمة وحزناً شديداً { عَلَى ٱلْعِبَادِ } المصرين على العناد بعدما عاينوا العذاب الدنيوي أو الأخروي النازل عليهم حتماً بسبب إنكارهم على الرسل والمرسل جميعاً ، وتكذيبهم بجميع ما جاءوا به من عند ربهم ، ولس لهم حنيئذ قوة المقاومة والمدافعة ؛ لذلك صاروا حيارى ، سكارى ، هائمين ، متحسرين بلا ناصر ومعين وشفيع حميم من نبي ورسول كريم ؛ إذ { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ } في نشأتهم الأولى يصلح أحوالهم وأعمالهم لئلا يترتب عليهم الوبال والنكال الموعود في النشأة الأخرى { إِلاَّ كَانُواْ } من غاية كبرهم وخيلائهم { بِهِ } أي : بالرسول المصلح المرشد لهم { يَسْتَهْزِئُونَ } [ يس : 30 ] ويستحقرونه ويستنكفون عن قبول دينه ودعوته ، وينكرون عليه كهؤلاء المسرفين المشركين معك يا أكمل الرسل . { أَ } يستهزئون معك - يعني : أهل مكة - وينكرون بدينك وكتابك { لَمْ يَرَوْاْ } ولم يخبروا ولم يعلموا { كَمْ أَهْلَكْنَا } أي : كثرة إهلاكنا واستئصالنا { قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } الماضية ، ولم يعتبروا مما جرى عليهم بشؤم تكذيبهم وإنكارهم على رسله مع { أَنَّهُمْ } أي : الأمم الهالكة السالفة { إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ يس : 31 ] أي : لا يرجعون إلى هؤلاء المفسدين ، المسرفين في تكذيبك وإكارك يا أكمل الرسل في نشأتهم هذه ، بل مضوا وانقرضوا إلى حيث لم يعودوا إلى ما كانوا ، وهؤلاء أيضاً سينقرضون إثرهم ، ولِمَ لم يتنبهوا ولم يعتبروا مما جرى عليهم مع أنهم إن أُخذوا صاروا كأن لم يكونوا شيئاً مذكوراً أمثالهمه ؟ ! . { وَ } بالجملة : { إِن كُلٌّ } أي : ما كل من الفرق والأحزاب المنقرضة عن الدنيا عن التعاقب والترادف مردودون إليها ، مجتمعة في وقت من الأوقات ، بل { لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ } [ يس : 32 ] يعني : لا يجتمعون إلا عندنا ولا يحضرون جميعاً إلا لدنيا في يم العرض والجزاء ، وفي حضرة علمنا ولوح قضائنا . وبالجملة : لا اجتماع لهم بعد انقراضهم ما داموا مسجونين في سجن الإمكان ، مقيدين بسلاسل التعينات وأغلال الهويات والأنانيات ، بل متى خلصوا عن مضيق الطبيعة وانخلعوا عن لوازمها ، حضروا واجتمعوا ، بل وصلوا واتصلوا ، وحنيئذ لم يبق الفرق ، وصاروا ما صاروا . لا إله إلا هو ولا موجود سواه ، هذا على قراءة " لمَّا " بالتشديد ، وأما على قراءة من قرأ بالتخفيف " إن " حينئذ مخففة من الثقيلة ، و " ما " في " لما " مزيدة للتأكيد ، واللام للفرق بين المخففة والنافية ، والمعنى : أنه - أي : الشأن - كل من الأمم الهالكة السالفة مجموعون ألبتة لدينا ، محضرون عندنا يوم الجزاء ، أو في حضرة لاهوتنا بعد انخلاعهم عن لوازم ناسوتهم . { وَآيَةٌ } عظيمة منا ، دالة على كمال قدرتنا على جمعهم وإحضارهم يوم الجزاء { لَّهُمُ } أن يستدلوا بها على صدقها { ٱلأَرْضُ ٱلْمَيْتَةُ } اليابسة الجامدة ، التي { أَحْيَيْنَاهَا } وأحضرناها في وقت الربيع بإنزال قطرات الماء المترشحة من بحر الحياة عليها { وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً } أي : جنساً من الحبوبات التي يقتاتون بها { فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ } [ يس : 33 ] وبه يعيشون وينعمون ، كذلك في النشور أحيينا الأبدان المائتة الجامدة البالية ، المتلاشية في أراضي الأجداث بإنزال الرشحات الفائضة من بحر حياة الوجود بمقتضى الجود ، فأعدناهم أحياء كما أبدعناهم أولاً من العدم . { وَ } أيضاً من جملة الآيات التي تدعل على كمال قدرتنا : إنَّا { جَعَلْنَا فِيهَا } أي : في الأرض { جَنَّاتٍ } بساتين ومتنزهات مملوءة { مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ } ومن سائر ما يتفكهون به ؛ تتميماً لتنعمهم وترفههم { وَفَجَّرْنَا } أي : أخرجنا وأجرينا { فِيهَا } أي : في خلال البساتين { مِنَ ٱلْعُيُونِ } [ يس : 34 ] والينابع الجارية التي لا صنع لهم في إجرائها وإخراجها ؛ عنايةً منا إياهم ، إبقاء لنضارتها ونزاهتها . كل ذلك { لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ } أي : من ثمر ما ذكر وقوته ، ويقوِّموا أمزجتهم بأنواع ما وهبنا عليهم من النعم حتى يقوموا ويواضبوا على شكرها ؛ أداء لحقوقنا إياهم { وَ } كذا علمناهم وأقدرناهم على عموم { مَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ } من العقارات والمزارع والبساتين وإجراء الأنهار والقنوات وحفر الآبار { أَ } ينكرون على كمال قدرتنا ووفور حولنا وقوتنا { فَلاَ يَشْكُرُونَ } [ يس : 35 ] نعمنا الفائضة إياهم على التعاقب والتوالي ولا ينسبونها إلينا ، بل ينسبونها إلى الوسائق والأسباب العادية جهلاً وعناداً ، وطغياناً كفراً .