Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 171-182)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } كيف لا يعلمون ولا يذوقون العذاب أولئك المسرفون { لَقَدْ سَبَقَتْ } أي : حقت وثبتت منَّا { كَلِمَتُنَا } المشتملة على الوعد والنصر { لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 171 ] وهي قوله سبحانه : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } [ المجادلة : 21 ] . وقوله أيضاً : { إِنَّهُمْ } أي : الرسل والأنبياء { لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } [ الصافات : 172 ] المقصورون على النصر والغلبة على الأعداء ، القاهرون القادرون على من غلبهم وظلمهم واستهزأ معهم عناداً ومكابرة . وكيف لا يغلبون أولئك الأولياء على الأعداء ، إنهم من جندنا وحزبنا { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] القاهرون على جنود الأعداء وأحزابهم المسلطون عليهم . وبعدما سمعت يا أكمل الرسل مضمون وعدنا على عموم الأولياء من الرسل والأنبياء { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أي : كفار قريش ، وأعرض عن محاربتهم ومخاصمتهم { حَتَّىٰ حِينٍ } [ الصافات : 174 ] أي : إلى حين حلول العذاب الموعود المعهود من لدنا . { وَأَبْصِرْهُمْ } العذاب إذا نزل عليهم عاجلاً ، وهو عذاب يوم بدر { فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } [ الصافات : 175 ] أجله في يوم الجزاء بأضعاف ما لحقهم عاجلاً وآلافه . { أَ } ينكرون قدرتنا على العذاب الآجل مع نزول العذاب العاجل عليهم يوم بدر { فَبِعَذَابِنَا } الآجل في الجزاء { يَسْتَعْجِلُونَ } [ الصافات : 176 ] ويقولون : متى هذا ؟ بعدما سمعوا فسوف يبصروه آجله زيادة في الجزاء بأضعاف ما لحقهم ، أمَا يستحيون من الله ، فيستعجلون عذابه ، ولم يتفطنوا مما جرى عليهم عاجلاً ، ولا يخافون من نزوله وحلوله بغتة . { فَإِذَا نَزَلَ } العذاب الموعود لهم آجلاً { بِسَاحَتِهِمْ } أي : بفناء دراهم ، وهذا كناية عن قربه وإلمامه بغتة { فَسَآءَ } وبئس حينئذ { صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } [ الصافات : 177 ] إذا أصبحوا مفاجئين على أنواع العذاب والنكال ، فلمَ يستعجلون بها أولئك الجاهلون الهالكون في تيه الضلال والطغيان ؟ ! . { وَ } بعدما تمادوا في الغفلة والطغيان ، وبالغوا في العتو والعصيان { تَوَلَّ عَنْهُمْ } يا أكمل الرسل { حَتَّىٰ حِينٍ } [ الصافات : 178 ] أي : حين إلمام العذاب الموعود . { وَأَبْصِرْ } أياهم بعدما ألمَّ ونزل { فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } [ الصافات : 179 ] أي : أي شيء يترتب على إنكارهم ، وتكذيبهم يوم الجزاء أولئك الضالون . وإنما كرره سبحانه ما كرره تأكيداً ومبالغة في التهديد والتوعيد ، تسلية لحبيبه صلى الله عليه وسلم فقال : { سُبْحَانَ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل ، وتنزهت ذاته عن معتقدات أهل التشبيه مطلقاً ، وما نسبوا إليه سبحانه من أمارات الإمكان وعلامات النقصان ، وكيف ينسبون إلى { رَبِّ ٱلْعِزَّةِ } والقدرة والغلبة والكبرياء والاستقلال التام والاستيلاء العام ، المنزه ذاته عن الإحاطة ، وصفته عن العدِّ والإحصاء ، تعالى شأنه عن التحديد والتوصيف { عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 180 ] به أولئك المسرفون المفرطون من إثبات الولد والإيلاد والاستيلاد . { وَسَلاَمٌ } من الله وبركاته { عَلَىٰ } عباده { ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 181 ] من عنده ؛ لتبيين توحيده وتقديسه وتعاليه عن إحاطة مطلق المدارك والعقول . { وَٱلْحَمْدُ } من ألسنة جميع من يتأتى منه الحمد والثناء حالاً ومقالاً { للَّهِ } الواحد الأحد الصمد ، المنزه عن اتخاذ الأهل والولد { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } الصافات : 182 ] الذين ظهورا من شئونه وتطوراته حسب أسمائه وصفاته ، ورباهم أيضاً على حسبها إظهاراً لكمال قدرته وعموم إحاطته . وعن المرتضى الأكبر المتحقق بمقام التسليم والرضا - كرم الله وجهه - أنه قال : من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة ، فليكن آخر كلامه من مجلسه : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ * وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 180 - 182 ] . خاتمة السورة عليك أليها الرائي المتحقق بجلال الحق ، وكمال كبريائه ، واستغنائه عن عموم مظاهره ومصنوعاته ، واستيلائه على جميع ما ظهر وبطن من الأمور الكائنة المنعكسة من بروق تجلياته حسب أسمائه وصفاته المندرجة في شمس ذاته ، أن تلاحظ شئون الحق على هياكل الموجودات ، وتطالع ظهورها على صحائف الكائنات التي هي بالحقيقة كالمرايا لظهور آثار الأسماء والصفات الإلهية ، وتتفكر فيخلق السفليات والعلويات ، وتتأمل في كيفية ارتباطاتها ورجوعها إلى الوحدة الحقيقية الحقية ، وكيفية سريان الوحدة الذاتية عليها بلا حلول واتحاد واتصال وانفصال وحصول وامتثال ، وكذا عن كيفية انبساط أظلال الوجود الإلهي على ذرائر الأكوان ، وامتداداتها على مرايا الإعدام على سبيل التجدد والتقضي بلا طريا ضد وحلول فترة وانقطاع أصلاً . ومن تأمل ظهور الحق على الآفق والأنفس على الوجه الذي تلا ، فقد تحقق بعزة الله ، وانكشف له وحدته المحتوية على عموم الكثرات بلا توهم كثرة في ذاته المستغني عن التعدد مطلقاً ، فحينئذ ارتفع عن بصر شهوده غير الحق وشئونه ، ولا يرى في فضاء وجوده سوى الله موجوداً ومشهوداً ، فتمكن حينئذ في مقام التوحيد ، وأخذ في التنزيه والتقديس والتسليم والتكبير والتحميد ، قائلاً بلسان استعداده : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الصافات : 18 - 181 ] المنبهين على مرتبة التوحيد ، { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 182 ] آمين .