Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 157-170)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ } النازل عليكم من قبل الحق المثبت لدعواكم { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الصافات : 157 ] . { وَ } من إفراطهم في حق الله ، وجعلهم بكمال ذاته وصفاته وأسمائه { جَعَلُواْ } وأثبتوا { بَيْنَهُ } سبحانه { وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ } الذين هم مخلوقون من النار { نَسَباً } أي : نسبة بالمصاهرة ، ويزعمون - العياذ بالله - أنه سبحانه تزوج منهم امرأة ، فحصلت منها الملائكة { وَ } والله { لَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ } أي : أولئك المفترين على الله بأمثال هذه المفتريات البعيدة عن جنابه مراء { لَمُحْضَرُونَ } [ الصافات : 158 ] في العذاب المخلد ، والنكال المؤبد بقولهم هذا ، ونسبتهم هذه . { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } وتقدس ذاته { عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافات : 159 ] به هؤلاء المعاندون الجاهلون . { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ الصافات : 160 ] منهم ، وهم الذين ينكشفون بقدر الله ، ووحدة ذاته ، واستقلاله في وجوب الوجود ولوازم الألوهية والربوبية ، بلا شائبة شركة وتوهم مظاهرة ولوث إمكان وشين نقصان . وبعدما ثبت تنزهه سبحانه من مضمون ما تنسبون بذاته أيها المفترون والمفرطون { فَإِنَّكُمْ } أيها المعزولون عن مقتضى العقل الفطري والرشد الجبلي { وَ } أيضاً { مَا تَعْبُدُونَ } [ الصافات : 161 ] من دون الله من الأصنام والأوثان . { مَآ أَنتُمْ } وآلهتكم { عَلَيْهِ } أي : على الله { بِفَاتِنِينَ } [ الصافات : 162 ] أي : مفسدين معرضين ، صارفين عموم الناس عن عبادته وإطاعته سبحانه بإغوائكم وإغرائكم ضعفة الأنام ، وتغريركم إيَّاهم بعبادة الأصنام . { إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 163 ] أي : الذين حقَّ عليهم القول وجرى عليهم حكمه سبحانه ، ومضى قضاؤه بأنهم من أصحاب النار وأهل الجحيم ، لا بدَّ لهم أن يصلوها ويدخلوها بلا تردد وتخلف ؛ يعني : ما يفيد إضلالكم وإغراؤكم إلا لهؤلاء المحكومين بالنار في أزل الآزال دون المجبولين على فطرة الإسلام والتوحيد . ثم لما اتخذ بعض المشركين الملائكة آلهة ، واعتقدوهم بنات الله ، وعبدوا لهم كعبادته سبحانه ، ردَّ الله عليهم حاكياً عن اعتراف الملائكة بالعبودية ، فقال سبحانه من قبل الملائكة : { وَ } كيف يلي بنا أن نرضى بما افترى المشركون علينا من استحقاق العبادة والشركة في الألوهية ؛ إذ { مَا مِنَّآ } أحد { إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ } في العبودية والتوجه نحن الحق { مَّعْلُومٌ } [ الصافات : 164 ] معين مقدر من عنده سبحانه ، لا يسع له أن يتجاوز عنه بلا إذن منه سبحانه ، بل يلازم كل منا مقامه لمقدر له من ربه ، متوجهاً إليه سبحانه ، منتظراً لأمره وحكمه بلا غفلة وفترة . { وَإِنَّا } معشر الملائكة { لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } [ الصافات : 165 ] على الاستقامة حول عرش الرحمن كصفوف الناس في المساجد ، لا يسع لأحد منَّا أن يتعدى من مكانه مستقبلاً أو مستدبراً { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } [ الصافات : 166 ] المنزهون المقدسون لله الواحد الأحد الصمد عن توهم الكثرة والشركة مطلقاً ، الراسخون المتمكنون في مرتبة التنزيه والتقديس ، فكيف يتأتى منَّا أن نرضى بمفتريات أهل الزيغ والضلال بنا ؟ ! عصمنا الله عموم عباده عن زيغ الزائغين وضلالهم . { وَإِن كَانُواْ } أي : قد كان أولئك الضالون المنهمكون في بحر الغفلة والضلال يعني : كفار قريش خذلهم الله { لَيَقُولُونَ } [ الصافات : 167 ] على سبيل التمني والتحسر تشنيعاً وتعييراً على من مضى من الأمم السالفة : { لَوْ أَنَّ عِندَنَا } ونزل عليها { ذِكْراً } كتاباً { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } [ الصافات : 168 ] أي : من جنس كتبهم كتاباً سماوياً منزلاً من الله مثل كتبهم . { لَكُنَّا } حينئذ { عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ الصافات : 169 ] أخلصنا العبادة له ، ولا نتجاوز عن مقتضى ما جاءنا من عنده في كتابه ، ولا نتعدى عن حكمه وحدوده وأحكامه ، ولا نهمل عن عظته وتذكيراته ، ونعتبر من قصصه وأمثاله ، وبالجملة : نتعامل معه أحسن المعاملة لا كمعاملة سائر أصحاب الكتب . ثم لما نزل عليهم ما هو أفضل الكتب تربية ، وأكملها رشداً ، وأشملها حكماً ، وأتمها وأبلغها حكمة وبرهاناً ، وأوضحها بياناً وتبياناً ، فكفروا به ، وأنكروا نزوله ، وأعرضوا عنه وعن أحكامه ، واستهزءوا بمن أنزل إليه وكذبوا رسالته { فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [ الصافات : 170 ] آجلاً وعاجلاً جزاء ما يفعلون ويستهزئون ، ويذوقون وبال ما ينكرون ويعرضون ، ألا أنهم هم المفسدون لأنفسهم ولكن لا يشعرون ، فسيعلمون أي منقلب ينقلبون .