Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 1-10)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلصَّافَّاتِ } أي : وحق الأسماء والصفات الإلهية الصافين حول الذات الأحدية المنتظرين لشئونه وتجلياته ؛ إذ هو سبحانه في كل آن في شأن ، ولا يشغله شأن عن شأن { صَفَّا } [ الصافات : 1 ] لا يتحولون منه أصلاً ، بل هائمون دائمون والهِون مستغرقون ، منتظرون بماذا يأمرهم ربهم من التدابير المخزونة في حضرة علمه ولوح قضاءه . ومتى تعقلت إرادته بمقدور من مقدوراته ومراداته المأمورة إياهم وحينئذ زاجرات { فَٱلزَّاجِرَاتِ } المدبرات على الفور لما يأمرهم الحق من التدبيرات المتعلقة بنظام الكائنات غيباً وشهادةً { زَجْراً } [ الصافات : 2 ] أي : تدبيراً تاماً كاملاً ، حسب المأمور والمقدور بلا فتور وقصور . وبعدما صدر أمره سبحانه ، وجرى قضاءه بقوله : { كُن } [ غافر : 68 ] فهم حينئذ التابعون لامتقال المأمور المقضي ، بلا فترة وتسويف { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ } التابعات لإنفاذ قضائه سبحانه القارئات المبلِّغات { ذِكْراً } [ الصافات : 3 ] منه ، ووحياً من لدنه سبحانه لمن أمرهم الحق بتليغه إياهم ، وهم الأنبياء والرسل المؤيدون بالوحى والإلهام ، المصطفون من بين البرايا بالخلافة والنيابة عن الله ، المتحملون لأعباء النبوة والرسالة . يعني : وبحق هؤلاء الملائكة الذين هم من سدنة حضرة اللاهوت ، وخَدَمَة عتبة جناب الرحموت ، والمتظرون لما صدر عنه سبحانه من الأمور المتعلقة بالملك والملكوت { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ } الذي أظهركم وأبدعكم من كتم العدم ، ولم تكونوا أيها العكوس المستهلكة في شمس الذات شيئاً مذكوراً ، لا حساً ولا عقلاً ولا وهماً { لَوَاحِدٌ } [ الصافات : 4 ] أحد صمد فرد وتر ، ليس له شريك في الوجود ولا نظير في الظهور والشهود . فهو وحده بوحده ذاته وكمال أسمائه وصفاته { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } العلا { وَٱلأَرْضِ } السفلى { وَمَا بَيْنَهُمَا } من الكوائن والفواسد الممتزجة منهما إلى ما لا يتناهى ، ولا مربي للمذكورات سواه ، ولا مظهر للكائنات إلا هو { وَ } هو سبحانه { رَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } [ الصافات : 5 ] أي : الاستعدادات القابلة لشروق شمس ذاته المتأثرة من أشعة أسمائه وصفاته . وبعدما ثبت استقلالنا وتوحيدنا في تصرفات ملكنا وملكوتنا ولا هوتنا وجبروتنا { إِنَّا } من مقام عظيم جودنا وكمال قدرتنا { زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا } أي : القربى لكم أيها المكلفون ، حيث ترون ما فيها { بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } [ الصافات : 6 ] أي : بزينة هي الكواكب ، أو البدل على كلا القراءتين بتنوين وبلا تنوين ، تزييناً تبتهجون بها حين تنظرون إليها ، وتتأثرون سعداً ونحساً إقبالاً وإدباراً . { وَ } جعلناها { وَحِفْظاً } أي : بعدما زينا السماء بها صيرناها صائنة حفظاً لها { مِّن } وصول { كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } [ الصافات : 7 ] خراج عن إطاعة الله ، مائل عن توحيده إياها . كي { لاَّ يَسَّمَّعُونَ } أي : مردة الشياطين ولا يصغون { إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } أي : إلى الأذكار والاستغفار وسائر الأسرار الجارية على ألسن الملائكة ، إذ هم ؛ أي : الشياطين والجن أشبه المخلوقات إلى الملائكة ، وإنما منعهم سبحانه عن الإصغاء إليهم ؛ لأ ، هم من كمال عداوتهم مع بني آدم يعكسون عليهم ما يسمعون ، فيضلونهم به عن الصراط المستقيم ، أو يدَّعون الألوهية والربوبية لأنفسهم ، ويحتجون بما يسمعون من الملائكة ترويجاً وتغريراً ، ويلبِّسون الأمر على ضعفة الأنام ، فيحرِّفونهم عن جادة التوحيد والإسلام { وَ } لذلك { يُقْذَفُونَ } ويُطردون أولئك الماردون { مِن كُلِّ جَانِبٍ } [ الصافات : 8 ] من جوابن السماوات وآفاقها . { دُحُوراً } طرداً بليغاً وزجراً شديداً { وَ } مع ذلك الطرد الزجر { لَهُمْ } أي : للشياطين { } في النشأة الأخرى { عَذابٌ وَاصِبٌ } [ الصافات : 9 ] مؤبَّد دائم ، لا ينفك عنهم في حين من الأحيان . { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ } أي : يُطرد الماردون ، ولا يسمعون إلا من اختطف واختلس من الملائكة الخطفة على سبيل المسارقة { فَأَتْبَعَهُ } أي : تبعه ولحقه على الفور حين اختطافه واختلاسه { شِهَابٌ ثَاقِبٌ } [ الصافات : 10 ] أي : كوكب مضيء كجذوة النار ، يثقب الجني فيقتله ، أو يحرقه ، أو يخبله . والقول بأن الشهب من الأمور الكائنة في الجو من الكواكب قول تخميني ابتدعه الفلاسفة من تلقاء نفوسهم ، لا يعضده عقل ، ولا يوافقه نقل . وأما قولهم في ضبط الحركات الفلكية والأجرام العلوية ، وتقويم الكواكب والبروج ، وتقدير الأشكال والصور إلى غير ذلك من الأمورم المؤدية إلى الحس رما يؤدي إلى اليقين ، أمَّا في طبائع المكونات وحقائق الموجودات ، وكيفية تراكيب الماهيات وغير ذلك من الأمور الحقيقية التي لا مجال للحس فيها ولا لعقل ، ما هو إلا تخمين زائل وزور باطل ؛ إذ لا يعرف كنه الأشياء إلا خالقها ومظهرها ، لا يسع لأحد أن يتفوه عنها ، وعن كيفيتها وكميتها وكمية التئامها على ما هي عليها والتركيبات الحقيقية . وهم ؛ أي : مرادة الشياطين بمجرد تلك الخطفة المختلسة يضلون كثيراً من الناس إلى حيث يستبعدونهم ، ويأمرونهم بالإطاعة والانقياد إلى أنفسهم ، والعبادة إياهم باتخاذهم أولياء آلهة من دوننا جهلاً وعناداً .