Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 11-21)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَٱسْتَفْتِهِمْ } أي : المشركين المتخذين الشياطين أولياء آلهة من دوننا ، واستخبرهم يا أكمل الرسل على سبب التبكيت والتعبير تنصيصاً على غيهم ، وتصريحاً بكفرهم واستحقاقهم العذاب المؤبد والنكال المخلد { أَهُمْ } أي : آلهتهم وشياطينهم { أَشَدُّ خَلْقاً } أي : إيجاداً وتأثيراً { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } وأظهرنا بمقتضى قدرتنا الكاملة من المخلوقات المذكورة التي هي الملائكة الصافات ، والسماوات المطبقات ، والكواكب المتفاوتة في التأثيرات فيها ، ت والأرض وما عليها من المركبات والمواليد ، وبينهما من الممتزجات وغير ذلك من الاستعدادات القابلة لشروق شمس الذات ، سيما { إِنَّا خَلَقْنَاهُم } وقدرنا وجوده هؤلاء المتخذين لغيرنا أرباباً أولاً { مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } [ الصافات : 11 ] لاصق منتن مهين لازم النتن و الهوان ، ثم ربيناهم بانواع التربية إلى أن سويناهم رجالاً عقلاء ؛ ليعترفوا بتوحيدنا وبألوهيتنا وربوبيتنا ، ويواظبوا على شكر نعمتنا ، فعكسوا الأمر واتخذوا أولياء من دوننا ، واعتقدوهم آلهة سوانا ، وبالجملة : انقلبوا خاسرين . أو المعنى : { فَٱسْتَفْتِهِمْ } وسلهم ؛ أي : المشركين { أَهُمْ } في أنفسهم { أَشَدُّ خَلْقاً } وأعظم مخلوقاً { أَم مَّنْ خَلَقْنَآ } من المخلوقات المذكورة سابقاً مع أنهم لم يتخذوا إلهاً سوانا ، ولم يعبدوا غيرنا ، هؤلاء الحمقى كيف اتخذوا من دوننا أولياء ، ويسمونهم آلهة شفعاء ، مع أنهم أضعف بالنسبة إليهم ، مخلوقين من أدون الأشياء وأرذلها ؟ ! { إِنَّا خَلَقْنَاهُم } وقدرنا وجودهم { مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } [ الصافات : 11 ] مسترذل منتن تستكرهه الطبائع . ومهما سمعت يا أكمل الرسل قولهم وإنكارهم للتوحيد وإشراكهم بالله أدون الأشياء مع ضعف خلقهم ، وتأملت حالهم واستبعدت منهم هذا { بَلْ عَجِبْتَ } أنت - أو " عَجبت " أنا على القراءتين - منهم أمثال هذا ، مع أنهم مجبولون على فطرة الدراية والشعور ، مرهون لهم العقل المفاض المشير لهم إلى التوحيد وتصديق البعث والحشر وجميع الأمور الأخروية { وَ } هم { يَسْخَرُونَ } [ الصافات : 12 ] بكل متى سمعوا منك الأخبار والآيات الواردة في أمر البعث والحشر . بل { وَ } هم من شدة قسوتهم وعمههم في سكرتهم { إِذَا ذُكِّرُواْ } ووعظوا بالإنذارات والتخويفات الشديدة المتعلقة للآخرة { لاَ يَذْكُرُونَ } [ الصافات : 13 ] أي : لا يتأثرون ولا يتعظون . { وَ } لا يقتصرون على عدم القبول والتذكر بل { إِذَا رَأَوْاْ } أي : علموا وسعموا { آيَةً } معجزة نازلة في شأن البعث والنشور { يَسْتَسْخِرُونَ } [ الصافات : 14 ] بها ، ويستهزئون بك يا أكمل الرسل عناداً واستكباراً . { وَقَالُوۤاْ } من شدة بغضهم وضغينتهم معك يا أكمل الرسل ومع كتابك : { إِن هَـٰذَآ } أي : ما هذا الذي جاء مفترياً إلى ربه { إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ الصافات : 15 ] أي : سحرية ما جاء به ظاهر ، وهو في نفسه ساحر ماهر ، لكن مضمون كلامه زور وباطل . { أَ } نبعث ونحيى { ءِذَا مِتْنَا } وانفصل عنَّا روحنا ، سيما { وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً } بالية رميمة { أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } [ الصافات : 16 ] بعدما صرنا كذلك . { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الصافات : 17 ] الأقدمون يبعثون ويحشرون { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ المؤمنون : 36 - 37 ] . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما بالغوا في إنكار البعث ، واستحالة نشأة النشور : { نَعَمْ } تبعثون أيها الضالون المنكرون ، وإلى ربكم تحشرون ، وعن أعمالكم تسألون ، وعليها تحاسبون ، وإلى جهنم تساقون { وَأَنتُمْ } حينئذ { دَاخِرُونَ } [ الصافات : 18 ] صاغرون ذليلون مهانون . وكيف تنكرون قدرتنا على البعث وقيام الساعة ؟ ! { فَإِنَّمَا هِيَ } أي : الساعة والبعث بعدما تعلقت مشيئتنا { زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ } أي : صيحة واحدة منشرة لهم عن قبورهم ، زاجرة لهم نحو المحشر زجر الراعى الصائح للغنم ، وبعدما سمع الأموات الصيحة ؛ أي : النفخة الثانية في الصور { فَإِذَا هُمْ } قيام { يَنظُرُونَ } الصافات : 19 ] حيارى سكارى تائهين والهين . { وَقَالُواْ } بعدما قاموا كذلك متحسرين متمنين الهلاك والويل : { يٰوَيْلَنَا } وهلاكنا أدركنا { هَـٰذَا } اليوم { يَوْمُ ٱلدِّينِ } [ الصافات : 20 ] والجزاء الذي وعدنا الله به على ألسنة رسله كتبه في النشأة الأولى ، فنحن قد كنا ننكره ونكذبه ونستهزئ بمن جاء به وأخبر عنه عناداً ومكابرة ، فالآن نُبتلى به ، يا حسرتنا على ما فرطنا في ترك الإيمان به وتصديق مخبره . وبعدما قالوا ما قالوا ، قيل لهم من قبل الحق على سبيل التقريع والتعبير إظهاراً لكمال القدرة : { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ } والقضاء بالعدل { ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ( * ) } أيها الضالون المنكرون المصرون على التعب والعناد .