Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 22-33)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أمر سبحانه للملائكة المترصدين لأمره القائمين لحكمه : { ٱحْشُرُواْ } وسوقوا { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } بالخروج عن مقتضى الحدود الإلهية ، واجمعوهم للحشر { وَأَزْوَاجَهُمْ } أي : أشباههم وأمثالهم وقرناءهم الذين اقتدوا واقتفوا أثرهم معهم { وَ } أحضروا له أيضاً معهم { مَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [ الصافات : 22 ] { مِن دُونِ ٱللَّهِ } ظلماً وعدواناً ؛ أي : معبوداتهم الباطلة تتميماً لإلزامهم { فَٱهْدُوهُمْ } أي : قدموهم ودلوهم جميعاً { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 23 ] . وبالجملة : سوقوهم بأجمعهم عابداً ومعبوداً إلى نيران الطرد وجحيم الخذلان { وَقِفُوهُمْ } واحبسوهم في الموقف ساعة { إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } [ الصافات : 24 ] عن أعمالهم التي جاءوا بها في نشأتهم الأولى محاسبون عليها . وبعدما سئلوا وحوسبوا جوزوا بمقتضاها ثم سوقوا إلى النار ، والسر في السؤال والله أعلم : تسجيل العذاب عليهم ؛ لئلا ينسب سبحانه إلى الظلم والعوان ظاهراً ، لئلا يجادلون معه سبحانه ؛ إذ كان الإنسان أكثر شيء جدلاً . ثم قيل لهم من قبل الحق توبيخاً وتقريعاً : { مَا لَكُمْ } أي : ما شأنكم ، وأي شيء عرض عليكم أيها الضالون المضلون { لاَ تَنَاصَرُونَ } [ الصافات : 25 ] أي : لا ينصر بعضكم بعضاً ؛ أي : معبوداتكم لا تنصر بتخليص عابديهم مع أنكم اتخذتموهم أولياء واعتقدتموهم آلهة شفعاء ، فلم لا ينصرونكم ولا ينقذونكم من عذابنا ؟ ولم لا تمكرون ولا تحيلون أنواع الحيل والخداع ؟ ولم لا تعتذرون بالأعذار الكاذبة ؛ لإنقاذكم من عذابنا كما تزعمون في النشأة الأولى ؟ ! . وهم حينئذ من شدة الهول هائمون حائرون { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ } [ الصافات : 26 ] منقادون خاضعون ، ومن خوف اشتداد العذاب عليهم خائفون خاشعون { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } حين يساقون نحو النار { يَتَسَآءَلُونَ } [ الصافات : 27 ] أي : يتخاصمون ويتلاومون . { قَالُوۤاْ } أي : الضعفاء السفلة منهم لرؤسائهم : { إِنَّكُمْ } أيها الضالون المضلون كنتم من شدة شغفكم ، وحرصكم على تضليلنا ، ومنعنا عن تصديق الرسل وقبول دعوتهم { كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 28 ] أي : عن أقوى جوانبنا ، أو عن أقوى الطرق الموصلة إلى مطلوبكم منا ، وهو المال وحطام الدنيا ، فتعطوننا منها ، وتحرفوننا عن سبل السلامة وطرق الاستقامة . { قَالُواْ } أي : الرؤساء في جواب الضعفاء : ما قولكم هذا إلا افتراء منكم إيانا ومراء ، كيف نؤثر نحن في قلوبكم بحيلنا ومركنا ، أو بعطائنا المال إليكم والإحسان عليكم لو كنتم مؤمنين ، والإيمان من أفعال القلوب { بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ } في أنفسكم { مُؤْمِنِينَ } [ الصافات : 29 ] مصدقين ، فتميلون على ما كنا عليه طبعاً وهوى ، فتفترون اليوم علينا مراء . { وَ } إن ادعيتم إكراهنا إياكم حينئذ فقد كذبتم ؛ إذ { مَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } وغلبة إلى حد تخافون عن قهرنا وإهلاكنا ، لو لم تكفروا { بَلْ كُنتُمْ } في أنفسكم كما كنا { قَوْماً طَاغِينَ } [ الصافات : 30 ] طغيتم وبغيتم على الله كما طغينا وبغينا . وبالجملة : إنا وإياكم لفي ضلال مبين { فَحَقَّ } أي : لزم وثبت وجرى { عَلَيْنَا } وعليكم { قَوْلُ رَبِّنَآ } وحكمه المبرم المثبت في لوح قضائه وحضرة علمه ، بأنا وأنتم من الأشقياء المردودين المستحقين لأنواع العذاب والنكال { إِنَّا لَذَآئِقُونَ } [ الصافات : 31 ] بأجمعنا اليوم ما كتب لنا ربنا من العذاب . وبالجملة : سلمنا أنا أضللناكم عن الهدى بمكرنا وخداعنا { فَأَغْوَيْنَاكُمْ } عن التوحيد والإيمان { إِنَّا كُنَّا } أيضاً { غَاوِينَ } [ الصافات : 32 ] أمثالكم ، فلحق بنا ما لحق بكم ، إلى متى تعييروننا وتخاصموننا ؟ ! . وبعدما تطاول وتمادى جدالهم وتخاصمهم ، قيل لهم من قبل الحق : { فَإِنَّهُمْ } بأجمعهم ضالاً ومضلاً ، تابعاً ومتبوعاً { يَوْمَئِذٍ فِي ٱلْعَذَابِ } المؤبد المخلد { مُشْتَرِكُونَ } [ الصافات : 33 ] كما كانوا مشتركين في أسبابه وموجباته في النشأة الأولى .