Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 83-98)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ } أي : من جملة من شايعه في التوحيد والإيمان ، بل من أجله من تابعه على أصول الدين ومعالم اليقين { لإِبْرَاهِيمَ } [ الصافات : 83 ] المتصف بكمال العلم والحلم والمعرفة واليقين وإن طال الزمان بينهما . قيل : كان بين نوح وإبراهيم - عليهم السلام - ألفان وستمائة وأربعونة سنة . اذكر يا أكمل الرسل وقت { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الصافات : 84 ] سالم عن جميع الميول الباطلة والآراء الفاسدة . { إِذْ قَالَ } جدك إبراهيم الخليل ، صلوات الرحمن عليه وسلامه { لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ } حين انكشف بالتوحيد الإلهي ، وتمكن من مرتبة الشهود العيني والحقي ، مستفهماً على سبيل الإنكار والتوبيخ ؛ غيره على الله وإظهاراً لمقتضى الخلة : { مَاذَا تَعْبُدُونَ } [ الصافات : 85 ] أي : لأي شيء تعبدون هذه الأصنام الباطلة العاطلة عن لوازم الألوهية والربوبية ، أيها الجاهلون بتوحيد الله وبكمال أوصافه وأسمائه . { أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ } [ الصافات : 86 ] أي : أتريدون أيها المعاندون أن تثبتوا آلهة متعددة سوى الله الواحد الأحد ، الصمد القيوم المطلق ، المستحق للألوهية والربوبية استحقاقاً ذاتياً ووصفياً على سبيل الإفك والمراء والكذب والافتراء ؟ ! . { فَمَا ظَنُّكُم } أيها المجاهلون المكابرون { بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الصافات : 87 ] أتظنون أن له شريكاً في الوجود ، أو له نظيراً في الشهود وسواه موجود ؟ ! والله ما ظنكم هذا إلا خيال باطل وزيغ زائل . وبعدما سمعوا منه ما سمعوا ، انصرفوا عنه وأنكروا عليه وعلى ربه ، فأراد عليه السلام أن يكايدهم في أصنامهم ، ويخادع في كسرها ، وقد قرب حيئنذ يوم عيدهم . وكان من عادتهم الإتيان بالقرابين والهدايا عند أصنامهم ومعابدهم ، فيتقربون بها ، ويتخذون منها أنواعاً من الأطعمة ، فيطبخونها عنده في ليلة العيد ، ثم يخرجون صبح العيد إلى الصحراء ، فيتعيدون فيها بأجمعهم ، ثم ينصرفون منها ، فينزلون في معابدهم وعند أصنامهم ، ويمهدون موائد كثيرة من الأطعمة المهيأة ، فيأكلون منها ويتبركون بها ، وكان عادتهم كذلك . ثم لما اجتمعوا على المعبد عند الأصنام ، قالوا له : أخرج أنت أيضاً معنا غداً يا إبراهيم إلى الصحراء ، نعيد فيها ونرجع { فَنَظَرَ } إبراهيم عليه السلام حينئذ { نَظْرَةً فِي } دفتر { ٱلنُّجُومِ } [ الصافات : 88 ] وهم كانوا يعملون بالأحكام النجومية معتقدون لها ، وهو عليه السلام مشهور بضبطها . { فَقَالَ إِنِّي } اليوم { سَقِيمٌ } [ الصافات : 89 ] الآن ، أو سأسقهم عن قريب بالطاعون ، وهم قد يفرون من المطعون فرارهم من الأسد . { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ } وانصرفوا من عنده بعدما سمعوا منه القول الموحش { مُدْبِرِينَ } [ الصافات : 90 ] رهباً ورغباً ، فخرجوا من الغداة إلى الصحراء ، ولم يخرج عليه السلام معهم . ثم لما بقي الأصنام خالياً عن الخدام ، وقد طبخ عندها أنواع الطعام { فَرَاغَ } أي : مال وانصرف عليه السلام { إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ } أولاً على سيل التهكم والاستهزاء : { أَلا تَأْكُلُونَ } [ الصافات : 91 ] أيها المعبودون من هذه الأطعمة المطبوخة المهيأة . ثم قال : { مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ } [ الصافات : 92 ] أي : ما عرض ولحق لكم ، لا تتكلمون معي أيتها الآلهة المستحقون للعبادة والرجوع في المهمات ؟ ! . وبعدما استهزأ مع هؤلاء الأصنام الصم البكم الجامدين بما استهزأ { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ } أي : ضربهم { ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 93 ] أي : بكمال القوة والغلظة ، فكسَّرها تكسيراً ، وفتت أجزاءها تفتيتاً . ثم لما أخبروا بانكسار أصنامهم وانفتاتها حين كانوا في الصحراء في معيدهم ، ظنوا بأجمعهم ، بل جزموا أنه ما فعل هذا بآلهتهم إلا إبراهيم { فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ } عازمين جازمين على انتقامه ومقته { يَزِفُّونَ } [ الصافات : 94 ] أي : يسرعون ويعدون ويتحيرون ويتبخترون . ثم لما وصلوا إليه حصروا عن التكلم معه من غاية غيظهم ونهاية زفرتهم ؛ لسبقهم عليه السلام بالتكلم حيث { قَالَ } مقرعاً عليهم : { أَتَعْبُدُونَ } أيها الجاهلون الضالون { مَا تَنْحِتُونَ } [ الصافات : 95 ] وتصنعون بأيدكم ، وتعتقدونه إلهاً خالقاً موجداً ، مظهراً لكم من كتم العدم ، وتعبدونه ظلماً وزوراً ، فمن أين يتأتى لهؤلاء الجمادات العاطلة لوازم الخلق والإيجاد والإظهار ، أفلا تعقلون . بل { وَٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد ، المستقل بالألوهية والربوبية { خَلَقَكُمْ } بالإرادة والاختيار { وَمَا تَعْمَلُونَ } [ الصافات : 96 ] أي : جميع أعمالكم وأفعالكم التي صدرت عنكم ، ومن جملتها : صنعكم ونحتكم للأصنام والأوثان . ومن هذا ظهر أن جميع أفعال العباد مثل ذواتهم مستندة إلى الله أولاً وبالذات { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } [ ق : 37 ] . ثم لما سعموا منه عليه السلام ما سمعوا ، وانصرفوا عن مقالته ومكالمته ، وهموا العزم إلى قتله . { قَالُواْ } أي : بعضهم حين كانوا متشاورين في كيفية قتله بعدما أقر رأيهم عليه : { ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 97 ] أي : في النار المسعرة ؛ حتى تنتقموا عن آلهتكم ، فبنوا حائطاً من الحجر سمكه ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون ، وملؤوه من الحطب ، وأوقدوا فيه ناراً ، فنفخوا فيها بالمنافخ حتى تسعرت ، ثم طرحوه بالمنجنيق فيها . بالجملة : { فَأَرَادُواْ بِهِ } وقصدوا له { كَيْداً } لينتقموا عنه مستعلين عليه { فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ } [ الصافات : 98 ] المقهورين ، الخاسرين ، الخائبين عما فعلوا معه عناية منَّا إياه وفضلاً وامتناناً عليه ، حيث جعلناها له برداً وسلاماً وروحاً وريحاناً ، فانقلبوا بعدما رأوا حاله في النار على هذا الوجه صاغرين محزونين ، فجعلناهم الأسفلين .