Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 82-88)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبعدما أنظره سبحانه وأنجح مسئوله { قَالَ } إبليس مقسماً مبالغاً في التهديد لبني آدم : { فَبِعِزَّتِكَ } وجلالك { لأُغْوِيَنَّهُمْ } أي : لأضلنَّ بني آدم عن جادة التوحيد { أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] إذ لا يسع لهم أن يسدوا مداخلي فيهم ، وطرق مخادعتي إياهم . { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ ص : 83 ] وهم الموقنون المخلصون ، الذين أخلصوا في عموم أعمالهم وأحوالهم معك ، واعتصموا بحبل توفيقك ، راجعين رحمتك وضوانك ، هاربين من سخطك بلا ميل لهم إلى ما يلهيهم عن ربهم . { قَالَ } سبحانه في جوابه إظهاراً لكمال الاستغناء والقدرة { فَٱلْحَقُّ } ما قلت لك في هذه النشأة يا معلون ، من الطرد والتبعيد ، وإنظارك فيما بينهم للاختبار والاعتبار { وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } [ ص : 84 ] أي : أقول الحق أيضاً فيما يترتب على إغوائك وإغرائك إياهم ، واتباعهم لك ، وما يترتب على متابعتهم في النشاة الأخرى . وهو هذا : والله { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } المشتملة على الأودية السبعة ، المملوءة من نار الخذلان والحرمان ، المعدة لأصحاب الشقاوة الأزلية من المنحرفين عن جادة العدالة الإلهية ، الضالين عن صراطه السوي { مِنكَ } أي : من جنسك الذي هم من الجن { وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } أي : من جنس الإنس { أَجْمَعِينَ } [ ص : 85 ] تابعاً ومتبوعاً ، ضالاً ومضلاً . { قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما بلغت ما يوحى إليك من الحق الصريح على وجهه بلا خلط وخبط وزيادة ونقصان كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة والعدالة : { مَآ أَسْأَلُكُمْ } أيها المكلفون { عَلَيْهِ } أي : على تبليغي إياكم ما أُمرت بتبليغه { مِنْ أَجْرٍ } أي : جعل ومال على عادة أصحاب التلبيس من المتشيخين ، اللذين هم من أعونة إبليس وأنصاره { وَمَآ أَنَآ } أيضاً { مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } [ ص : 86 ] المتصفين بخصائل ليست فيهم على سبيل التلبيس والتدليس . بل { إِنْ هُوَ } أي : ما هذا القرآن المنزل علي { إِلاَّ ذِكْرٌ } أي : عظة وتذكير { لِّلْعَالَمِينَ } [ ص : 87 ] من الثقلين المكلفين بالهداية والإيمان والتوحيد والعرفان . { وَلَتَعْلَمُنَّ } أيها المتذكرون بتذكيراته ، والمعرضون عنها { نَبَأَهُ } أي : صدق إخباره ومواعيده ووعيداته ، وما يترتب عليها وعلى قصصه وأحكامه ، وما ينكشف من حكمه ورموزه وإشارته { بَعْدَ حِينِ } [ ص : 88 ] أي : بعد انخلاعكم عن لوازم ناسوتكم ، واتصافكم بخلع اللاهوت في النشأة الأخرى ، حين تُبلى السرائر ، وتُكشف الضمائر ، وترتفع الجب والأستار ، فاعتبروا الآن يا أولي الأبصار ، وذوي الاعتبار ما فيه من السرائر والأسرار . خاتمة السورة عليك أيها السائلك المتأمل في مرموزات القرآن ، والمتدبر في درك إشاراته الخفية تحت أستار ألفاظه وأحكامه المتعلقة لتهذيب الظاهر والباطن ، وتصفية السر عن التوجه نحو الغير مطلقاً ، أن تعرف أولاً ما في نفسك من أعونة الشيطان وجنوده الأمارة بالسوء ، المزعجة لك إلى قبول مأموراتها المقتضية للبعد عن جادة العدالة التوحيدية الإلهية ، التي هي صراط الله الأقوم ، وتجاهد معها مهما أمكنك وأعانك الحق ووفقك لتسخيرها إلى أن صارت مغلوبة لك مقهورة تحت قهرك ، حسبما يسر الله ووفقك على غلبته . ثم بعد ذلك نبع من صدرك ينابيع الحكمة المترشحة من بحر الوحدة الذاتية ، وجرى على لسانك ما أراد الله جريه وشاء ، بعدما أفناك عنك ، وأبقاك ببقائه ، وصار سبحانه قلبك وسمعك وبصرك وجميع قواك ، وحينئذ اجتامع الفرق ، وارتبق الفتق ، واتحد الظهور والبطون ، وانطوى الأزل والأبد ، واتصل الأول والآخر والظاهر والباطن . وبالجملة : هو بكل شيء عليم ليس كمثله شيء ولا معه حي ، وهو الحي القيوم السميع العليم .