Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 1-4)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ } المبين لطريق التوحيد ، المنبه على وحدة الحق وكمالات أسمائه الحسنى وأوصافه العظمى { مِنَ ٱللَّهِ } المدبر لجميع ما جرى في ملكه وملكوته ؛ إلا لا منزل في الوجود سواه سبحانه { ٱلْعَزِيزِ } الغالب في أمره بالاستقلال والاختيار { ٱلْحَكِيمِ } [ الزمر : 1 ] المتقن في فعله حسب علمه المحيط وقدرته الشاملة وإرادته الكاملة . وبعدما بيَّن سبحانه أمر التنزيل عموماً أشار إلى التنزيل المخصوص المتمم المكمل لأمر التنزيل والإنزال مطلقاً فقال : مشيراً إلى عظم قدر المنزل إليه ، وجلالة شأنه ، ورفع رتبته ومكانه : { إِنَّآ } من مقام عظيم جودنا { أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل تعظيماً لشأنك وتأييداً لأمرك { ٱلْكِتَابَ } الجامع لجميع ما في الكتب السالفة ، مع زوائد خلت عنها كلها ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المطابق للواقع بلا شوب شك وريب في نزوله منَّا { فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ } الذي اصطفاك لرسالته وخصصك بكتابه ، هذا حال كونك شاكراً لنعمه ، معترفاً بكرمه { مُخْلِصاً } في عبوديتك وعبادتك إياه ، مجتنباً عن مداخل الشرك ورعونات الرياء مطلقاً ؛ إذ { لَّهُ ٱلدِّينَ } [ الزمر : 2 ] أي : لا مستحق للإطاعة الخالصة والانقياد الصافي سواه ، ولا يعبد بالحق إلا إياه . وبعدما أمر سبحانه بالعبادة والإخلاص في الإطاعة والانقياد ، نبه على عموم عباده بالإخلاص في الطاعات ، والخلوص في نيات العبادات ، فقال : { أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ } أي : تنبهوا أيها المجبولون على فطرة التوحيد أن الدين الذي كلفكم الحق عليه ، واوجبه عليكم ، هو الدين الخالص عن أمارات الشرك ومقتضيات الهوى ، الصافي عن شوب العجب والسمعة وشين الرياء ، وبعدما وضح أن الدين الخالص لله ، ولا مستحق له سواه . { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } أي : والمشركون الذين ادعوا الولاؤة لغير الله ، واستحقاق الإطاعة والانقياد لسواه ، قالوا في تعليل اتخاذهم حين سئلوا عنه ونجوا عليه { مَا نَعْبُدُهُمْ } أي : هؤلاء الغرانيق العلا التي هي الأصنام والأوثان ، وجميع ما يعبد من دونه سبحانه { إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } أي : تقريباً كاملاً ؛ لأنهم كملة مقبولون عنده ، مكرمون لديه سبحانه ، فنتوسل بهم ؛ لنصل إلى قرب الحق وجواره . لا تبالوا أيها الموحدون المتمسكون بحبل التوفيق الإلهي بقولهم هذا ، ولا تلتفوا إلى أبطاليهم الزائغة { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لما في ضمائرهم من الشرك والعناد على سبيل الرشاد والثبات { يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } وبينكم بمقتضى علمه وخبرته { فِي مَا هُمْ فِيهِ } من الشرك { يَخْتَلِفُونَ } معكم أيها الموحدون بأن يدخلهم في النار بأنواع المذلة والهوان ، ويوصلكم إلى الجنة بالمغفرة والرضوان ، وكيف لا يدخل سبحانه المشركين النيران بأنوع الخزي والهوان { إِنَّ ٱللَّهَ } الحكيم المتقن في أفعاله { لاَ يَهْدِي } أي : لا يوفق على الهداية والرشاد { مَنْ هُوَ كَاذِبٌ } في حق الله ومقتضى ألوهيته وربوبيته ، واستقلاقه في ملكه وملكوته { كَـفَّارٌ } [ الزمر : 3 ] بنعمه الموهوبة له من فضله وكرمه . حيث أثبت له سبحانه شريكً وولداً مع أنه { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد ، المستقل في الألوهية والوجود ، المنزه عن الأهل والولد { أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } ويختار صاحبةً { لاَّصْطَفَىٰ } واختيار { مِمَّا يَخْلُقُ } أي : من بين سائر مخلوقاته في جميع شئونه وحالاته { مَا يَشَآءُ } أولى وأنسب له ، وأليق بشأنه من مريم وعيسى ، فكيف من الأصنام والأوثان { سُبْحَانَهُ } أي : تعالى شأنه وتنزه ذاته الواحد الأحد الصمد الذيل لم يلد ولم يولد عن إيجاد الصاحبة والولد ، بل { هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ } من جميع الوجوه ، المستقل بالألوهية والوجود { ٱلْقَهَّارُ } [ الزمر : 4 ] لعرق السوى والأغيار مطلقاً قطعاً لعرق الشركة عن أصله .