Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 5-6)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبمقتضى توحيده سبحانه وقهره ، وإظهار كمالات المندمجة في وحدة ذاته باعتبار شئونه وتطوراته اللازمة للحي الأزلي الأبدي { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } أي : قدر وأعد الأسماء الذاتية الفعالى ، المنعكسة من شئونه الذاتية والأوصاف القابلة المنفعلة من تلك الأسماء المظهرة لآثارها ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } المطابق للواقع ، ولا ينبغي أن يرتاب فيه أحد بعدما انكشف بسرائر الوجود والتوحيد حسب الود الإلهي ، وبمقتضى هذا الازدواج المعنوي الجاري بين الأوصاف والأسماء الإلهية { يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ } أي : يغشي ويغيب سبحانه على وجه التلفيف والتخليط أضواء الأسماء والصفات بظلام الهيولي والتعينات في النشأة الأولى ، فكذلك يغطي ويغيب في النشأة الأخرى حجب الطبائع وأظلال الهويات بأشعة أنوار الذات المنتشئة منها ، بمقتضى الشئون والتطورات المثبتة للأسماء والصفات الإلهية . { وَ } بعدما كمل أمر الظهور والإظهار ، وانبسط على عروش ما ظهر وبطن بالاستيلاء والاستقلال { سَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ } أي : جذب وقبض نحوه سبحانه بمقتضى الجاذبة المعنوية الحبية الكاملة الوجود المطلق ، الفائض على هياكل الموجودات المنعكسة من الأسماء والصفات الإلهية { وَٱلْقَمَرَ } أي : الهويات القابلة لانعكاس شمس الذات المستخلفة عنها ، إظهاراً لكمال قدرته ومتانة حكمته ؛ لذلك { كُـلٌّ } من كل أهل العناية { يَجْرِي } يكون ويدوم في مكانه ومكانته من التعينات موقوف { لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى } أي : إلى حلول أجل معين مقدر من عند ربه بمقتضى جذبه وعنايته ، فإذا حل الأجل ، انقطع الجري والسير وارتفع السلوك . { أَلا } أي تنبهوا أيها الأظلال الهالكة في شمس الذات { هُوَ } أي : الموصوف بهذه الصفات الكاملة { ٱلْعَزِيزُ } المنيع ساحة عز ذاته عن أن يحوم حول سرادقات عزه وجلاله بإدراك العقول المتحيرة والأوهام المدهوشة ، لكنه { ٱلْغَفَّارُ } [ الزمر : 5 ] الستَّار لغيوم تعيناتكم بإشراق شمس الذات ، وانقهار جميع ما لمع عليه نور الوجود على مقتضى جلاله وتفرده في نعوت كماله . { خَلَقَكُمْ } أي : أظهركم وأوجدكم بالتجليات الجمالية { مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهي طبيعة العدم القابلة لانعكاس أشعبة نور الوجود { ثُمَّ جَعَلَ } وإظهر { مِنْهَا زَوْجَهَا } إبقاءً للتناسل ، وتتميماً للأزدواجات الغير المتناهية حسب الأسماء والصفات المتقابلة ، الغير المتناهية الإلهية ، إظهاراً لكمال القدرة . { وَ } بعدما أتم سبحانه أمر إيجادكم وإثباتكم { أَنزَلَ لَكُمْ } أي : قسَّم وقضى لأجلكم تتميماً لأمور معاشكم عناية منه وتكريماً { مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } المناسبة لتغذيتكم وتقوية أمزجتكم { ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } ذكراً وأنثى على مقتضى جبلتكم لتدوم بدوامكم ، وهي الأصناف الثمانية المذكورة في سورة الأنعام ، هذا في ظهوركم وبروزكم في عالم الشهادة ، وفي عالم الغيب والبطون { يَخْلُقُكُمْ } ويقدر موادكم { فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } أي : تقديراً بعد تقدير أعجب وأغرب من سابقه ؛ بأن قدركم أولاً نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم سواك إنساناً ، ونفخ فيكم روحاً من روحه ، وبالجملة : أظهركم بعدما أخفاكم مدة { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } هي أصلاب آبائكم وحجب تعيناتكم وبطون أمهاتكم . { ذَٰلِكُمُ } الذي فعل بكم هذه الأفعال الجميلة المتقنة { ٱللَّهُ } المستقل بالألوهية والتصرف في ملكه وملكوته { رَبُّكُمْ } الذي رباكم وأحسن تربيتكم لا مربي لكم سواه ؛ إذ { لَهُ ٱلْمُلْكُ } الملكوت خاصة لا يشارك في ملكه ، ولا ينازع في سلطانه وشأنه ، فظهر أنه { لاۤ إِلَـٰهَ } يعبد له ويرجع إليه في الخطوب { إِلاَّ هُوَ } الواحد الأحد الصمد الحقيق بالحقية ، المستحق بالألوهية والربوبية { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } [ الزمر : 6 ] وتعدلون أيها المشركون المنحرفون عن جادة توحيده .