Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 30-35)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه : { إِنَّكَ مَيِّتٌ } يعني : كيف لا يستقل سبحانه بالوجوه والآثار المرتبة عليه ، مع أنك يا أكمل الرسل وأشرف الكائنات وأفضلهم معطل في ذاتك وفي نشأتك هذه عن استناد ما ظهر منك إليك ؛ إذ لا وجود لك من ذاتك { وَإِنَّهُمْ } أي : غيرك من أشخاص بالطريق الأولى { مَّيِّتُونَ } [ الزمر : 30 ] معطلون عن آثار الوجود مطلقاً في هذه النشأة ، بل كلكم أنتم وعموم العباد مسخرون تحت حكمه وأمره ، ما عليكم إلا الامتثال والانقياد . { ثُمَّ إِنَّكُمْ } أيها الموحدون والمشركون جميعاً { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المعدة للحساب والجزاء { عِندَ رَبِّكُمْ } المطلع على جميع ما جرى عليكم { تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 31 ] بعضكم مع بعض فيما أنتم عليه في نشأتكم الأولى ، ثم تحاسبون وتجازون بمقتضاه ، فستعملون حنيئذ أي منقلب ينقلبون . ثم قال سبحانه على سبيل الاستبعاد والتقريع : { فَمَنْ أَظْلَمُ } وأضل طريقاً { مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ } وأنكر وجوده واستقلاله فيه ، وفي الآثار المترتبة عليه { وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ } يعني : بالقرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مبيناً لتوحيد الحق ، واستقلاله في الوجود { أَلَيْسَ } يبقى { فِي جَهَنَّمَ } البعد والحرمان { مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } [ الزمر : 32 ] الساترين بغيوم هوايتهم الباطلة شمس الحق الظاهرة في الآفاق بالاستقلال والاستحقاق ، مع أنه معد لهؤلاء المردة المطرودين عن ساحة العز القبول . { وَ } الموحد { ٱلَّذِي } من قبل ربه { جَآءَ بِٱلصِّدْقِ } بلا افتراء ومراء { وَصَدَّقَ بِهِ } إيماناً واحتساباً بلا شوب شك وتردد فيه { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء الصادقون المصدقون { هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [ الزمر : 33 ] الذين يحفظون عن الميل إلى ما لا يرضى منهم سبحانه . وبسبب اتصافهم بالتقوى عن محارم الله { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ } من اللذات الروحانية { عِندَ رَبِّهِمْ } الذي رباهم بأنواع الكرامة ، ووفقهم للهداية إلى جنابه ، والعكوف حول بابه تفضلاً عليهم وتكريماً { ذَلِكَ } الذي سمعت من الكرامات { جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } [ الزمر : 34 ] الذين يحسنون الأدب مع الله بحسب ظواهرهم وبواطنهم ، ويأخذون ما نزل من عنده من الأوامر والنواهي على وجه العزيمة الخالصة عن شوب الرياء والرعونات المنافية لإخلاص العبودية . { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } بسبب أخلاصهم في عزائمهم { أَسْوَأَ } العمل { وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ } فكيف أسهله وأصغره { ٱلَّذِي عَمِلُواْ } أي : يعطيهم جاء أعمالهم في الآخرة { بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الزمر : 35 ] أي : أحسن من حسناتهم ، وأوفر منها ؛ لخلوصهم فيها .