Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 15-17)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ } الفعلة القبيحة التي هي الزنا ، وهن { مِن نِّسَآئِكُمْ } وفي حجركم ونكاحكم ، فأُخبرتم بها - العياذ بالله - فعليكم في تلك الحالة ألاَّ تبادروا إلى رميها ورجمها ، بل { فَٱسْتَشْهِدُواْ } اطلبوا الشهداء من المخبر ؛ ليشهدوا { عَلَيْهِنَّ } بالزنا ، والمعتبر أن يكون { أَرْبَعةً مِّنْكُمْ } أي : من عدول ، رجالكم ، بشرط ألاَّ يسبق منهم تحبسس وترقب ، بل وقع منهم النظر بغتة على سبيل الاتفاق ، فيرون ما يرون ، كالميل في المكحلة ، مستكرهين ، مستعجبين . { فَإِن شَهِدُواْ } هؤلاء الشهود على الوجه المعهود ، فعليكم أيها المؤمنون ، المستحفظون لحدود الله ألاَّ تضطروا ، ولا تستعجلوا في مقتهنَّ وإخراجهنَّ ، بل عليكم الإمساك { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ } التي أنتم فيها بلا مراودة إليهن ؛ كيلا يلحق عليكم بالإخراج عار آخر ، بل اتركوهن فيها { حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ } الطبيعي { أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ } أي : يحكم الله { لَهُنَّ } أي : في حقهن { سَبِيلاً } [ النساء : 15 ] حكماً مبرماً ، هذا في بدء الإسلام ، ثم نُسخ بآية الرجم والجلد . { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا } أي : الفعلة القبيحة التي هي اللواطة ، وهما الآتي والمأتي { مِنكُمْ } أيها الرجال وهذا أفحش من الزنا ؛ لخروج كلٍّ منهما عن حد الله ، وانحطاطهما عن كمال الإنسان ؛ لارتكابهما شئاً لا يقتضيه العقل والشرع بخلاف الزن ، ولشناعها وخباثتها لم يعيِّن لها سبحانه حداً في كتابه المبيِّن لأخلاق الإنسان ، كأن هؤلاء ليسوا من الإنسان ، بل من البهائم ، بل أسوأ حالاً منها ، لذلك قال : { فَآذُوهُمَا } إيذاءً بليغاً ، وتعزيزاً شديداً حتى يمتنعوا { فَإِن تَابَا } وامتنعا { وَأَصْلَحَا } ما أفسد بالتوبة والندامة { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ } متغفرين لهما من الله ، مستشفعين عنهما ، غير موبخين ومقرعين عليهما { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لأحوال عباده المذنبين { كَانَ تَوَّاباً } لهم ، يرجعهم عمَّا صدر عنهم نادمين { رَّحِيماً } [ النساء : 16 ] يعفو عنهم . ثم قال سبحانه : { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ } أي : ما التوبة المبرورة المقبولة إلا التوبة الناشئة من محض الندامة المتفرعة على تنبيه القلب عن قبيح المعصية ، وهي المصححة ، الباعثة { عَلَى } قبول { ٱللَّهِ } إياها ، النافعة { لِلَّذِينَ } أي : للمؤمنين الذين { يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ } الفعلة الذميمة لا عن قصد وروية ، بل { بِجَهَالَةٍ } عن قبحه ووخامة عاقبته { ثُمَّ } لمَّا تأملوا وأدركوا قبحها { يَتُوبُونَ } يبادرون إلى التوبة والرجوع { مِن } زمانٍ { قَرِيبٍ } أي : قبل الانتهاء إلى وقت الإلجاء { فَأُوْلَـٰئِكَ } التائبون ، المبادرون على التوبة قبل حلول الأجل { يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } أي : يقبل توبتهم بعدما وفقهم عليها ، ولقنهم بها { وَكَانَ ٱللَّهُ } المطلع على ضمائرهم { عَلِيماً } بمعاصيهم في سابق علمه { حَكِيماً } [ النساء : 17 ] في إلزام التوبة عليهم ليجبروا بها ما انكسروا على نفوسهم .