Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 26-32)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } اذكر يا أكمل الرسل لمشركي مكة وقت { إِذْ قَالَ } جدك { إِبْرَاهِيمُ } الخليل صلوات الله عليه وسلامه { لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ } المغمورين في التقليدات الموروثة لهم من أسلافهم ، بعدما انكشف بحقية الحق ووحدته ، وبطلان الآلهة الباطلة التي أثبتوها شركاء الله ظلماً وزوراً { إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ } [ الزخرف : 26 ] أي : أنا برئ من معبوداتكم التي أنتم تعبدونها من دون الله الواحد الأحد ، المستحق للعبادة والإطاعة . { إِلاَّ ٱلَّذِي } أي : ما أعبد معبوداً سوى الذي { فَطَرَنِي } أي : أظهرني وأوجدني بمقتضى حوله وقوته ، ووفور علمه وحكمته { فَإِنَّهُ } سبحانه بمقتضى سعة رحمته وتوفيقه { سَيَهْدِينِ } [ الزخرف : 27 ] ويثيبني على جادة الهداية بأزيد مما هداني إيه من إجراء كلمة التوحيد على لساني . { وَجَعَلَهَا } سبحانه كلمة التوحيد { كَلِمَةً بَاقِيَةً } مستمرة { فِي عَقِبِهِ } أي : أولاد إبراهيم وذرياته إلى يوم القيامة موروثة لهم { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الزخرف : 28 ] إلى الله بكرامة هذه الكلمة ، ويوحدونه حق توحيده ؛ لذلك ما خلا زمان من الأزمنة من موحدي هذه الذرية ، وممن يدعون منهم إلى الحق وطريق توحيده ، وإن كان منهم أيضاً من يشرك بالله كمشركي قريش خذلهم اللهز كما قال سبحانه في شأنهم : { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ } المسرفين المعاندين معك يا أكمل الرسل { وَ } كذا متعت { آبَآءَهُمْ } كذلك بأنواع النعم وأصناف الكرم { حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } أي : الطريق الموصل إكلى التوحيد الذاتي { وَرَسُولٌ } مرشد كامل { مُّبِينٌ } [ الزخرف : 29 ] مظهر موضح لهم بطريق الهداية والرشاد . { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ } الحقيق بالاتباع { قَالُواْ } من فرط تعنتهم وعنادهم : { هَـٰذَا } الذي جاء به هذا المدعي ؛ يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم { سِحْرٌ } وشعر اختلقه من تلقاء نفسه ، ونسبه إلى ربه افتراء وتغريراً { وَ } بالجملة : { إِنَّا بِهِ } وبدينه { كَافِرُونَ } [ الزخرف : 30 ] منكرون جاحدون . { وَقَالُواْ } إن كان نزوله من عند الله حقيقة { عَلَىٰ رَجُلٍ } ذي ثروة وجاه لائق بمرتبة النبوة والرسالة { مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ } أي : من إحدى القريتين ؛ أي : مكة الطائف { عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] عند الناس بكثرة الأموال والأولاد والأتباع ؛ ليكون له اليد والإستيلاء على سائر الناس . إذ منصب النبوة منصب عظيم ، يحتاج إلى ثروة ووجاهة ومكنة تامة ورئاسة ظاهرة ، ولم يفهموا أن رتبة النبوة والولاية عبارةعن الغنى الذاتي المسقط لعموم الإضافات المنافية لصرافة الوحدة الذاتية ، وهو لا يكون إلا بالتعري عن ملابس الأكوان ولوازم الإمكان ، والتخلق بالأخلاق المرضية الإلهية . { أَهُمْ } من شدة شكيمتهم وغيظهم معك يا أكمل الرسل ، ونهاية إنكارهم بكتابك : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ } بأخلاقهم السخيفة ، وتدبيراتهم الركيكة { يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل ، ويضعون رتبة النبوة والرسالة إلى من يقتضيه أوهامهم وخيالاتهم الباطلة ونفوسهم الخبيثة ، بل { نَحْنُ } بوفور حكمتنا { قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } التي يحتاجون إليها { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ومع تدبيرنا إياهم مصالحَ معاشهم ، لا يُحسنون تدبيرها فيما بينهم ؛ ليصلح أمر ائتلافهم وتمدنهم فيها ، فكيف يخوضون في مصالح العباد وتدبيراتها ؟ ! ومن أين يتأتى لهم التفوة في الأوضاع الألوهية والتدابير الربوبية الناشئة عن كمال العلم والحكمة والإرادة الكاملة والقدرة الشاملة ؟ ! . { وَ } من غاية قصورهم عن تدبيرات معاشهم { رَفَعْنَا } بمقتضى حكمتنا وتربيتنا إياهم { بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } بأن فضَّلنا بعضهم على بعضٍ في الرزق الصوري وغيره ؛ ليكون لهم الكبرياء والاستيلاء على البعض الآخر { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } أي : يستعمل البعض الأغنياء أُجراء من البعض الفقراء ، فيأمورهم بما قصدوا من الحوائج ؛ ليتم أمر النظام والتمدن والتضام { وَ } بالجملة : { رَحْمَتُ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل ، وهي رتبة النبوة والرسالة { خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ الزخرف : 32 ] من حطام الدنيا ومزخرفاتها الفانية ؛ لاشتمالها على ضبط الظاهر والبواطن المتعلقة بالنشأة الأولى والأخرى .