Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 9-14)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } كيف لا يجري عليهم ما جرى على أسلافهم مع أنهم أعظم جرماً وأكبر إنكاراً منهم ، ومن إنكارهم أنهم { لَئِن سَأَلْتَهُمْ } أي : مشركي مكة يا أكمل الرسل : { مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ } وأوجدهما من كتم العدم { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على الخلق والإيجاد { ٱلْعَلِيمُ } [ الزخرف : 9 ] المطلع على سرائر ما أوجد وإظهر . ومع اعترافهم بأخص أوصاف الفاعل المختار ، وإقرارهم باستناد الأمور المتقنة إلى أوصافه وأسمائه ، أنكروا وحدة ذاته ، وأشركوا معه غيره عتواً وعناداً ، قل لهم يا أكمل الرسل بعدما بالغوا في الإنكار والإصرار : كيف تنكرون وحدة الحق أيها الجاحدون المنكرون مع أن الله { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } تستقرون فيها ، وتتوطنون عليها مترفهين متنعمين { وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } لمعاشكم ، تطلبون منها حوائجكم ، وطرقاً تصلون منها إلى معادكم { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [ الزخرف : 10 ] بها إلى وحدة ربكم . { وَ } كيف تنكروف وجود موجدكم { ٱلَّذِي نَزَّلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : من عالم الأسباب { مَآءً } محيياً لأموات المسببات { بِقَدَرٍ } معتدل معتاد { فَأَنشَرْنَا بِهِ } أي : أحيينا وأخضررنا بإجراء الماء المحيي { بَلْدَةً } جافاً يابساً لا نبات فيها ، ولا خضرة لها { مَّيْتاً كَذَلِكَ } أي : مثل إخراجنا النبات من الأرض اليابسة بإنزال الماء { تُخْرَجُونَ } [ الزخرف : 11 ] وتنشرون ؛ أي : الموتى حال كونكم موتى من قبورهم بنفخ الروح فيكم تارةً أخرى . { وَ } كيف تجحدون وتنكرون وجود الصانع الحكيم ووحدته مع أنه { ٱلَّذِي خَلَقَ } وأظهر { ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } أي : جميع أصناف المخلوقات من زوجات ممتزمجات { وَجَعَلَ لَكُمْ } تتميماً لأمور معاشكم وتسهيلاً لها { مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } [ الزخرف : 12 ] أي تركبونه . { لِتَسْتَوُواْ } وتتمكنوا { عَلَىٰ ظُهُورِهِ } أي : ظهور ما خلق لكم من المراكب { ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } كيف أفاض عليكم من النعم أصولها وفروعها ، وتواظبوا على شركها أداء لحق شيء منها { وَتَقُولُواْ } عند استوائكم عليها : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي } أي : تنزه وتقدس عن شوب النقص والاستكمال ذات القرار العليم الحكيم ، الذي { سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } المركوب { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [ الزخرف : 13 ] مطيقين لتسخيره لولا إقراره وستخيره سبحانه لنا . { وَ } بالجملة : { إِنَّآ } في عموم أوصافنا وأحوالنا وذواتنا { إِلَىٰ رَبِّنَا } الذي أظهرنا بمد أظلال أسمائه الحسنى وصفاته العليا علينا ، وربانا بمقتضى لطفه بالنعم الأوفى { لَمُنقَلِبُونَ } [ الزخرف : 14 ] راجعون إليه ، صائرون نحوه بعد انخلاعنا عن لوازم ناسوتنا وارتفاع غشاوة تعيناتنا عنَّا . وإنما أوصله به تنبيهاً على أن العبد العارف لا بدَّ أن يكون في عموم انقلاباته وحالاته مسترجعاً إلى الله ، عازماً نحو الفناء فيه ، متذكراً لموطنه الأصلي ومقره الحقيقي .