Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 43, Ayat: 15-20)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } من غاية غفلتهم عن الحق وجهلهم بحقوق ألوهيته وربوبيته : { جَعَلُواْ لَهُ } سبحانه واتخذوا { مِنْ عِبَادِهِ } بعضاً ، وادعوه { جُزْءًا } له ، وولداً ناشئاً منه حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، والعزير ابن الله ، والمسيح كذلك ، وبالجملة : { إِنَّ ٱلإنسَانَ } المجبول على الجهل والنسيان { لَكَفُورٌ } متناهٍ في الغفلة عن الله ، والكفران بنعمه وحقوق كرمه { مُّبِينٌ } [ الزخرف : 15 ] ظاهر البغي والطغيان على الله ، والإلحاد عن دينه وطريق توحيده . ومن شدة ظهور بغيهم وطغيانهم : أثبتوا له أولاداً { أَمِ ٱتَّخَذَ } أي : بل قالوا : اتخذ وأخذ { مِمَّا يَخْلُقُ } سبحانه ؛ أي : من مظاهره ومصنوعاته أخسها وأدونها ؛ أعني : { بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم } أي : أخلص أنفسكم { بِٱلْبَنِينَ } [ الزخرف : 16 ] . { وَ } كيف تثبتون لله الواحد الأحد الصمد بنات ، وتختارون لأنفسكم بنين مع أنه { إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } من إثبات البنات له { ظَلَّ } صار { وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } من كمال ضجرته وكآبتها { وَهُوَ } حينئذ { كَظِيمٌ } [ الزخرف : 17 ] مملوء من الغيظ والكرب . { أَوَمَن يُنَشَّأُ } أي : أتثبتون للصمد المنزه عن الأهل والولد ولداً ناقصاً يُربى ويزين { فِي ٱلْحِلْيَةِ } والزينة ، لعدم كماله الذاتي { وَ } الحال أنه { هُوَ فِي ٱلْخِصَامِ } أي : المجادلة والمحاباة { غَيْرُ مُبِينٍ } [ الزخرف : 18 ] معرب مظهر ؛ لما يدعيه لنقصان عقله وركاكة رأيه وفهمه ، وهن البنات الناقصات عقلاً وديناً وخلقة ، وبالجملة : أثبوا لله ما ينزهون أنفسه عنه ، ويتغممون عند حصوله لهم . { وَ } من نهاية جهلهم وركاكة رأيهم { جَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } المستغرقون الوالهون بمطالعة وجهه الكريم ، المستغفرون لعموم عباد الله من سعة رحمته وجوده { إِنَاثاً } ناقصات العقل والدين ، منحطات عن زمرة الكاملين مع أنهم - أي : الملائكة - من أعزة عباد الله وأجلهم متمكنون عند كنف قربه وجواده ، مسبحون له في عموم الأوقات والحالات { أَشَهِدُواْ } وحضروا أولئك الحمقى { خَلْقَهُمْ } أي : خلق الله إياهم في بدء الأمر ؛ إذ الأنوثة والذكورة من جملة الأمور التي لا اطعلا لأحد عليها إلا بالمشاهدة ، أم شهدوا رجماً بالغيب ، ظلماً وزوراً { سَتُكْتَبُ } في النشأة الأولى { شَهَادَتُهُمْ } التي شهدوا بها على خُلَّص عباد الله ، وافتراؤهم على الله الصمد المنزله من الاستيلاد { وَ } بالجملة : { يُسْأَلُونَ } [ الزخرف : 19 ] يوم القيامة عن جميع ما أتوا من المعاصي ، سيما عن هذه الشهادة والافتراء ، ثم يجازون بمقتضاها . { وَ } بعدما سفَّه المسلمون أهل الشرك وعيروهم باتخاذ الملائكة والأوثان والأصنام ، وجميع المعبودات الباطلة آلهة من دونه الله ، شركاء له في الألوهية ، مع كونهم منحطين عن رتبة الألوهية والربوبية مطلقاً { قَالُواْ } مستدلين على أخذهم واتخاذهم : { لَوْ شَآءَ } وأراد { ٱلرَّحْمَـٰنُ } عدم أخذنا وعبادتنا إياهم { مَا عَبَدْنَاهُمْ } ألبتة ، لكن أراد سبحانه عبادتنا فعبدناهم ؛ إذ لا يبدل قوله سبحانه ولا يغير حكمه ومشيئته ، إنما قالوا ما قالوا تهكماً واستهزاءً ، وعلى زعم المؤمنين ، لا عن اعتقاد ويقين بمشيئة الله وتقديره ، وعدم تغيير مراده سبحانه ؛ لذلك جعلهم سبحانه بقوله : { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } أي : ما صدر عنهم هذا الاستدلال عن علم بمقدماته واعتقاد بنتيجته ، بل { إِنْ هُمْ } أي : ما هم في قولهم هذا واستدلالهم { إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الزخرف : 20 ] يتمحلون تمحلاً باطلاً ، ويتزورون زوراً ظاهراً .