Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 44, Ayat: 34-42)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم لما أوضح سبحاه تفضيح حال المجرمين المكذبين لرسول الله قال : { إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ } المسرفين المكذبين لك يا أكمل الرسل يعني : قريشاً خذلهم الله { لَيَقُولُونَ } [ الدخان : 34 ] من غاية إنكارهم بقدرة الله ، وبما أخبر بنه الرسول ، ونطق به الكتاب : { إِنْ هِيَ } أي : ما الموتة التي تعرض لنا { إِلاَّ مَوْتَتُنَا ٱلأُوْلَىٰ } التي طرأ علينا في دار الدنيا وأزال حياتنا عنا { وَ } بالجملة { مَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ } [ الدخان : 35 ] مبعوثين من قبورنا أحياء ، ثم نحشرهم للحساب الجزاء كما زعمتم أيها المفترون الكاذبون . وإن أردتم تصديقنا إياكم في هذه الدعوى { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا } الذين انقرضوا عن الدنيا أحياء { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الدخان : 36 ] في دعواكم ، إنما قالوا ما قالوا تهكماً واستهزاء . وبعدما أصروا على عنادهم وبالغوا في إنكارهم ، رد الله عليهم على أبلغ وجه وآكده بقوله مستفهما على سبيل التقريع والتوبيخ : { أَهُمْ } يعني : قريشاً { خَيْرٌ } مالاً وجاهاً ، وثروة وسيادة { أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ } اسم لمن ملك الحمير ، ككسرى لملوك فارس ، وقيصر لملوك الروم ، والمراد : أبو كريب سعيد بن منبل ، آمن بنبينا قبل بعثته ، فتنحى عن قومه ، معللين أنك قد تركت ديننا ، فأخذهم الله بجرمهم هذا ، وأهلكهم { وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من الأمم الهالكة كعاد وثمود { أَهْلَكْنَاهُمْ } مع شدة قوتهم وبسطتهم وكثرة شوكتهم { إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } [ الدخان : 37 ] بالجرائم العيظمة الموجبة للمقت والهلاك ، أمثال جرائمكم أيها المجرمون المسرفون . { وَ } بالجملة : { مَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الممتزجات { لَـٰعِبِينَ } [ الدخان : 38 ] عابثين بلا طائل { مَا خَلَقْنَاهُمَآ } وأظهرناها على هذا النمط البديع والنظام العجيب المشتمل على أنواع التغيرات من الكائنات والفاسدات { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } ليستدلوا بها على وحدة ذاتنا ، وكمال علمنا وقدرتنا ، ومتانة حكمتنا وحكمنا واستقلالنا في تدبيراتنا وتصرفاتنا في ملكنا وملوكتنا { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } لقصور نظرهم عن إدراك الحكم والأسرار { لاَ يَعْلَمُونَ } [ الدخان : 39 ] ولا يشعرون إلا بالمحسوسات العادية ، أولئك القاصرون عن النظر والاستدلال ، القانعون باللذات الهيمية من هذا العجيب كالأنعام بل هم أضل سبيلاً وأسوأ حالاً منها . اذكر لهم يا أكمل الرسل : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ } الذي يمتاز فيه المحق عن المبطل والهادي المهتدى عن الضال المضل { مِيقَاتُهُمْ } وموعد جزائهم وقطع خصوماتهم { أَجْمَعِينَ } [ الدخان : 40 ] فيجزى كل منهم حسب ما حوسب ، أن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . { يَوْمَ لاَ يُغْنِي } لا يدفع ولا يرفع { مَوْلًى عَن مَّوْلًى } قرابة عن قرابة { شَيْئاً } من الإغناء والدفع مما كتب له من الجزاء ثواباً كان أو عقاباً { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ الدخان : 41 ] بعضهم ببعض على سبيل المظاهرة والمعاونة { إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ } بمقتضى فضله وجوده ، أو قبل شفاعة أحد من حق أحد عناية منه وعفواً { إِنَّهُ } سبحانه { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على عموم مرادته ومقدوراته { ٱلرَّحِيمُ } [ الدخان : 42 ] المشفق على عباده عند إنابتهم ورجوعهم نحوه ، يقبل توبتهم ويعفو زلتهم .