Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 1-11)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله وتوحيده ، وأنكروا على نبوة حبيبه صلى الله عليه وسلم ورسالته عناداً ومكابرة { وَ } مع كفرهم وانصرافهم بأنفسهم عن الهداية { صَدُّواْ } وصرفوا سائر الناس { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وطريق توحيده الذي هدي إليه صلى الله عليه وسلم وبعث لتبيينه ، وإرشاد عمود عباد الله نحوه منه حسداً عليه صلى الله عليه وسلم وعلى من تبعه { أَضَلَّ } أحبط وأضاع سبحانه { أَعْمَٰلَهُمْ } [ محمد : 1 ] أي : صوالح أعمالهم التي أتوا بها طمعاً للكرامة والمثوبة من لدنه سبحانه بعدما كفروا به سبحانه وبرسوله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ لا تثمر الأعمال الصالحة إلا بالإيمن والتصديق بالله وبرسوله . { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله وبرسوله { وَ } مع ذلك { عَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المقربة لهم إلى الله { وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } أي : بجميع ما نزل عليه { وَ } صدقوا أن جميع ما نزل به { هُوَ ٱلْحَقُّ } الصدق المطابق للواقع ، النازل { مِن رَّبِّهِمْ } بلا شك وتردد { كَفَّرَ } وأزال { عَنْهُمْ } سبحانه { سَيِّئَاتِهِمْ } أي : وبالها وعذابها { وَأَصْلَحَ } اللاحق المستتبع إياها بها { بَالَهُمْ } [ محمد : 2 ] أي : أحسن حالهم في الدين والدنيا بحسب النشأة الأولى والأخرى ، ويجازيهم أحسن الجزاء . { ذَلِكَ } أي : إضلال الكفرة وإصلاح المؤمنين { بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ } وتركوا الحق الحقيق بالاتباع { وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ } النازل { مِن رَّبِّهِمْ } لإصلاح حالهم في النشأتين ويرشدهم إلى ما هو خير لهم { كَذَلِكَ } أي : مثل ذلك الذي سمعت من الإضلال والإصلاح بالنسبة إلى كلا الفريقين { يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } [ محمد : 3 ] وبين لهم أحوالهم المتواردة عليهم في أولاهم وأخراهم . وبعدما سمعتم أيها المؤمنون وخامة عاقبة الكفرة وضياع أعمالهم وإحباطها { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } على أي وجه وأي حال { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } أي : فعليكم أن تضربوا رقابهم مهما أمكن ، وأن تقتلوهم بلا مبالاة وبدمائهم { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ } أي : أغلظتم وبالغتم في قتلهم ، فأسروا بقاياهم { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } والنكال على أسرائهم ، واحفظوهم مقيدين موثقين { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } أي : تمنون عليهم منّاً فتطلقونهم ، أو تفدون منهم فداءً على إطلاقهم وتخلون سبيلهم ، وبالجملة : افعلوا أيها المؤمنون مع المشركين كذلك { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } أي : تضع أهل الحرب من كلا الجانبين آلات الحراب والقتال ، وذلك لا يحصل إلا بالمؤاخاة والاتئلاف التام ، وتدين الجميع بدين الإسلام { ذَلِكَ } أي : الأمر من الله ذلك ، فافعلوا معهم كذلك . { وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ } القادر المقتدر على أنواع الانتقام { لاَنْتَصَرَ } وانتقم { مِنْهُمْ } أي : من المشركين بلا اقتتالكم وحرابكم { وَلَـٰكِن } إنما يأمركم سبحانه بالقتال { لِّيَبْلُوَاْ } ويختبر { بَعْضَكُمْ } أيها الناس المؤمنون { بِبَعْضٍ } أي : بقتال بعض منكم ، وهو الكافرون ؛ لينال المؤمنون بقتالهم وجهادهم الثواب الجزيل والأجر الجميل ، ويستوجب الكافر بمعاداة المؤمن بالعقاب العظيم والعذاب الأليم ، كل بتقدير العليم الحكيم ، ثم قال سبحانه تبشيراً للمؤمنين الذين استشهدوا في سبيل الله : { وَ } اعلموا أيها المؤمنون أن { ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ } منكم { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } باذلين مهجهم في ترويج دينه { فَلَن يُضِلَّ } ويضيع { أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 4 ] التي أتوا بها طلباً لمرضاة الله ، وتثبيتاً لقلوبهم على الإيمان بما نزل من عنده . بل { سَيَهْدِيهِمْ } ربهم ويرشدهم سبحانه بعدما استشهدوا إلى زلال هدايتهم { وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } [ محمد : 5 ] بإيصالهم إلى غاية ما جبلوا لأجله . { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ } التي { عَرَّفَهَا لَهُمْ } [ محمد : 6 ] حين أمرهم بالجهاد ، ألا وهي الحياة الأزلية الأبدية الإلهية الموعودة للشهداء من عنده سبحانه بقوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً } [ آل عمران : 169 ] . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ } يعني : دينه ورسوله { يَنصُرْكُمْ } على أعدائكم { وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [ محمد : 7 ] في جادة توحيده وصراط تحقيقهز { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله ، وأعرضوا عن نصرة دينه ورسوله { فَتَعْساً } أي : زلقاً وعثوراً وانحطاطاً { لَّهُمْ } عن رتبة الإنسانية وعن جادة العدالة الإلهية { وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 8 ] وأضاعها بحيث لا تفيدهم شيئاً أصلاً . { ذَلِكَ } العثور والانحطاط لهم { بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ } أي : أنكروا واستكرهوا { مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } المدبر المصلح لأحوال عباده في كتابه من الأوامر والنواهي المهذبة لظواهرهم وبواطنهم { فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } [ محمد : 9 ] بسبب كفرهم وكراهتهم . { أَفَ } ينكرون قدرة الله على الإحباط والإضلال { لَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } التي هي محل الاختبارات الإلهية وانتقامه { فَيَنظُرُواْ } بنظر العبرة والاستبصار ؛ ليصبروا { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } المجرمين { ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } مع أنهم ذوو ثروة كبيرة ، ورئاسة عظيمة ، ووجاهة كاملة ، كيف { دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } واستأصلهم بحيث لم يبق منهم على وجه الأرض أحد { وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } [ محمد : 10 ] أي : سيؤول ويعود عاقبة هؤلاء الكفرة المعاندين معك يا أكمل الرسل إليها وإلى أمثالها ، بل أفظع وأشد منها ألبتة . كل { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ } المطلع على ضمائر عباده { مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة الحق وتحققوا في مقر توحديه ، لذلك يواليهم وينصرهم على أعاديهم ، ويحفظهز عما لا يعنيهم { وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ } المصرين على الكفر والعناد { لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } [ محمد : 11 ] لينصرهم ويدفع عنهم ما يرديهم .