Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 12-19)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبالجملة : { إِنَّ ٱللَّهَ } العليم الحكيم { يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ } منتزهات من المعارف والحقائق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } الجارية من العلوم اللدنية ، المنتشئة من منبع الوحدة الذاتية ، تتلذذون بها تلذذاً معنوياً حقيقياً { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بوحدة الحق وكمالاته المترتبة على شئونه وتجلياته { يَتَمَتَّعُونَ } بالحطام الدنيوية ويتلذذون باللذات البهيمية { وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ } وتتلذذ بلا شعور لهم باللذة الأخروية { وَ } بالآخرة { ٱلنَّارُ } المعدة المسعرة صارت { مَثْوًى لَّهُمْ } [ محمد : 12 ] ومحل قرارهم واستقرارهم . { وَكَأَيِّن } أي : كثيراً { مِّن قَرْيَةٍ } من القرى الهالكة { هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً } أي : أهلها ، وأكثر أموالاً وأولاداً { مِّن } أهل { قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } أي : أهلها منها { أَهْلَكْنَاهُمْ } واستأصلناهم بسبب إخراجهم رسل الله من بينهم ، وتكذيبهم والاستبكار عليهم { فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } [ محمد : 13 ] يظاهرهم ويدفع انتقاماً عنهم ، فكذا ننتقم عن هؤلاء المشركين المستكبرين عليك يا أكمل الرسل ، المخرجين لك وقومك من بينهم ظلماً وعداوناً ؛ يعني : مشركي مكة - خذلهم الله - ونغلب المؤمنين عليهم ، ونظهر دينك على الأديان كلها . وكيف لا ننصرك ونظهر دينك ؟ { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ } حجة واضحة ، آتية له { مِّن رَّبِّهِ } مبينة له امر دينه { كَمَن زُيِّنَ } أي : حبب وحسن { لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ } بلا مستند عقلي أو نقلي ، بل { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } [ محمد : 14 ] بمقتضى آرائهم الباطلة وأمانيهم الزائغة الزائلة . كلا وحاشا ، بل { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } وشأنها العجيبة { ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } بها ، المجتنبون عن محارم الله ، المتحرزون عن مساخطه على الوجه الذي بيَّنهم الكتب وبلغهم الرسل ، الممتثلون بجميع ما أمروا من عنده سبحانه إيماناً واحتساباً عند ربهم ، هكذا { فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ } هي : العلوم اللدنية المجيبة لهم بالحياة الأزلية الأبدية { غَيْرِ ءَاسِنٍ } أي : خالص صافٍ عن كدر التقليدات والتخمينات ، الحادث عن مقتضيات القوى البشرية المنغمسة بالعلائق الجسمانية { وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ } من المحبة الذوقية الإلهية ، المنتشئة من الفطرية الأصلية التي فطروا عليها في بدء ظهورهم { لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } وذوقه بالميل إلى الهوى ، ومن مزخرفات الدنيا { وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ } جذبة إلهية وشوق مفرط مسكر لهم ، محير لعقولهم من غاية استغراقهم بمطالعة جمال الله وجلاله ، بحيث لا يكتنه لهم وصفه بكونه من الأمور الذوقية { لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } حسب تفاوت أذواقهم ومواجيدهم { وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ } هي : اليقين الحقي الذي لا شيء أحلى منه وألذ عند العرف المتحقق به { مُّصَفًّى } من شوب الإثنينية اللازمة لمرتبتي اليقين العلمي والعيني . { وَ } بالجملة : { لَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } المستلزمة لأنواع اللذات الروحانية ، وأكبر من الكل أن لهم فيها { وَمَغْفِرَةٌ } ستر ومحو لأنانياتهم الباطلة ناشئة { مِّن رَّبِّهِمْ } الذي رباهم على الكرامة من عنده بعدما جذبهم تحت قباب عزه ، ومكنهم من كنف جواره ، هؤلاء المكرمون بهذه الكرامة العظمى { كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ } أي : كالكافر الطاغي الباغي ، الذي خرج عن ربقة العبودية بمتابعة الأهوية الأمارة وأمانيها ، وظهر على الحق وأهله بأنواع الإنكار والاستكبار ، وبسبب هذا صار مخلداً في نار القطيعة ، مؤبداً فيها لا نجاة له عنها { وَ } هم من شدة عطشهم وحرقة أكبادهم إذا استسقوا { سُقُواْ مَآءً حَمِيماً } حاراً في غاية الحرارة { فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } [ محمد : 15 ] بعدما شربوا منه ؛ وذلك لعدم الفهم واعتيادهم بالعلم اللدني وبرد اليقين العلمي والعيني والحقي . { وَمِنْهُمْ } أي : من المستوجبين بخلود النار أبد الآباد { مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } يا أكمل الرسل حين دعوتك وتذكرك وجلسوا في مجلسك صامتين محبوسين { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } وانصرفوا عن مجلسك { قَالُواْ } من كمال غفلتهم وذهولهم عنك وعن كلامك وكمالاتك وعدم إدراكهم بما فيها وإصغائهم إليها { لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } أي : أصحابك المتذكرين عن كلامك ، الموفقين على التصديق والإذعان بك وبكتابك : { مَاذَا قَالَ } أي : أي شيء قال صاحبكم { آنِفاً } في هذا المجلس ؟ مع أنهم معهم { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء البعداء عن ساحة عز القبول هم { ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } وختم على سمعهم وأبصارهم { وَ } لهذا { ٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } [ محمد : 16 ] وتركوا إهداءه صلى الله عليه وسلم ولم يقتبسوا النور من مشكاة النبوة ، ولم يلتفتوا إلى هداية القرآن ، بل استهزءوا معه ومع الرسول صلى الله عليه وسلم . { وَ } المؤمنون { ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ } بهدايته صلى الله عليه وسلم { زَادَهُمْ } استماع القرآن { هُدًى } على هدى { وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] وبين لهم ما يعنيهم على سلوك طريق التوحيد ويجنبهم عما يغويهم عن منهج الحق وصراط التحقيق . وبالجملة : { فَهَلْ يَنظُرُونَ } وماينتظرون في عموم أوقاتهم وحالاتهم { إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } الموعودة أن { تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } فجأة ، وكيف لا تأتيهم الساعة { فَقَدْ جَآءَ } وظهر { أَشْرَاطُهَا } أي : بعض علاماتها وأماراتها التي من جملتها : بعثة الرسول الحضرة الختمية المحمدية ؛ إذ ظهوره متمماً لمكارم الأخلاق ، ومكملاً لأمر التشريع والإرشاد من دلائل انقضاء نشأة الكثرة ، وطلوع شمس الوحدة الذاتية من آفاق ذرائر الكائنات ، وكيف ينتظرون الساعة ولا يهيئون أسبابها قبل حلولها ، وإن تأتهم بغتة { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } [ محمد : 18 ] أي : كيف يفيدهم التذكر والاتعاض وقت إذ جاءت الساعة فجأة ؟ ومن أين يحصل لهم التدارك والتلافي حيئنذ ؟ . وبعدما سمعتم حال الساعة وحلول الساعة بغتة { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ } المؤمنون أي : فاثبت أنت يا أكمل الرسل على جادة التوحيد الذاتي ، وتمكن على صراط الحق في عموم أوقاتك وحالاتك ، واشهد ظهور شمس الذات على صفائح عموم الذرات ، وشاهد انقهار جميع المظاهر والمجالي في وحدة ذاته ، واهد جميع من تبعك من المؤمنين إلى هذا المشهد العظيم { وَٱسْتَغْفِرْ } في عموم أوقاتك { لِذَنبِكَ } الذي صدر عنك من الالتفات إلى ما سوى الحق والعكوس والإظلال { وَ } استغفر أيضاً { لِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } إذا أنت كفيلهم وهاديهم إلى طريق التوحيد { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المحيط بعموم أحوالكم ونشأتكم { يَعْلَمُ } بعمله الحضوري { مُتَقَلَّبَكُمْ } أي : موضع تقلبكم وانقلابكم في دار الاختبار ونشأة التلون والاعتبار { وَمَثْوَاكُمْ } [ محمد : 19 ] أي : موضع إقامتكم وتمكنكم في دار الإقامة والقرار ، فعليكم أن تستعدوا لأخراكم في أولاكم وتهيئوا أسباب عقباكم في دنياكم .