Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 30-38)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَ } لم يعلموا أنَّا { لَوْ نَشَآءُ } تفضيحهم { لأَرَيْنَاكَهُمْ } وأبصرنا عليك يا أكمل الرسل ما أظمروا في نفوسهم { فَلَعَرَفْتَهُم } حينئذٍ { بِسِيمَاهُمْ } بمجرد إبصارك إياهم ؛ لظهور ما في صدورهم من الغل على وجوههم { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ } ألبتة نفقهم { فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } الباطل الذي صدر عنهم مشغوشاً مزخرفاً ، وبعدما نزل هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عرفهم ، ويستدل بكلامه على فساد ضميره { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المطلع بعموم أحوال عباده { يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 30 ] ونياتكم فيها ومقاصدكم عنها ، فيجازيكم على مقتضى علمه . ثم قال سبحانه مقسماً : { وَ } الله { لَنَبْلُوَنَّكُمْ } ونختبرنكم أيها المجبولون على فطرة الإسلام بالتكاليف الشاقة والأوامر الشديدة { حَتَّىٰ نَعْلَمَ } أي : نفرق ونميِّز { ٱلْمُجَاهِدِينَ } المتجهدين { مِنكُمْ } ببذل الوسع والطاقة على امتثال المأمور ، والصابرين المرابطين قلوبهم بحبل الله وتوحيده ، الموطنين نفوسهم بالرضا بجميع ما جرى عليهم من القضاء { وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ } أيضاً { أَخْبَارَكُمْ } [ محمد : 31 ] التي صدرت عنكم وقت تكليفنا إياكم ؛ إذ الأخبار منبئة عن الضمائر والأسرار . وبالجملة : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله ، وأعرضوا عن مقتضيات تكاليفه الصادرة عن الحكمة البالغة { وَ } مع كفرهم وضلالهم في أنفسهم { صَدُّواْ } وصرفوا { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ضعفاء عباده { وَ } مع ذلك { شَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ } المرسل من عنده سبحانه ، المبعوث إليهم للإرشاد والتكميل ، لا من شبهة صدرت عنه تدل على كذبه وافترائه { مِن } بعدما { مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } أي : ثبت عندهم هدايته عقلاً ونقلاً ، ومع ظهور صدقه وهدايته كذبوه عدواناً وظلماً ، وبواسطة هذه الجرأة على الله ورسوله { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ } المنزه في ذاته عن أن يكون معروضاً للنفع والضر { شَيْئاً } من الضرر والإضرار ، بل { وَسَيُحْبِطُ } ويضيع سبحانه بأمثال هذه الجرائم والآثام { أَعْمَالَهُمْ } [ محمد : 32 ] الصادرة عنهم لتثمر لهم الثواب ، فاقلب الأمر عليهم ، فيثمر لهم العذاب . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } مقتضى إيمانكم إطاعة الله وإطاعة رسوله { أَطِيعُواْ اللَّهَ } المظهر لكم من كتم العدم ، المنعم عليكم بأنواع النعم وأصناف الكرم { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } الهادي ، المرشد لكم إلى توحيد الحق وكمالات أسمائه وأوصافه { وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 33 ] بالإعراض عن الله ، والانصراف عن متابعة رسوله . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَ } الحال أنه { هُمْ كُفَّارٌ } مصرون معاندون على ما هم عليه طول عمرهم { فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ } [ محمد : 34 ] أبداً لإشراكهم بالله وخروجهم عن ربقة عبوديته بمتابعة أهويتهم الباطلة وآرائهم الفاسدة . وبعدما أطعتم الله ورسوله أيها المؤمنون ، وأخلصتم في إطاعتكم وانقيادكم ثقوا واعتصموا بحبل توفيقه ونصره { فَلاَ تَهِنُواْ } ولا تضعفوا عن الجهاد والمقاتلة { وَ } لا { تَدْعُوۤاْ } وتركنوا { إِلَى ٱلسَّلْمِ } والصلح ، وبالجملة : لا تجنوا { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ } الأغلبون ، أيها الموحدون المحمديون ؛ إذ الحق يعلو ولا يُعلى { وَ } كيف لا تتصفون بصفة العلو والغلبة ؛ إذ { ٱللَّهُ } المحيط بكم { مَعَكُمْ } لا على وجه المقارنة والاتحادن ولا على سبيل الحلول والامتزاج ، بل على وجه الظهور والبروز وامتداد الأظلال عليكم وانعكاسكم منها { وَ } بعدما صار الحق معكم على الوجه المذكور { لَن يَتِرَكُمْ } ولن يضيع عليكم { أَعْمَالَكُمْ } [ محمد : 35 ] التي جئتم بها مخلصين ؛ طلباً لمرضاة الله وهرباً عن مساخطه ؛ إذ الموعد المعتدل دائماً بين الخوف والرجاء ، وكيف لا يكون كذلك ؛ إذ هو مستوٍ على مستن الصراط المستقيم الذي هو أدق وأرق من كل دقيق ورقيق . وبعدما سمعت صفة صراط ربك يا أكمل الرسل { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } أي : ما الحياة الدنيا إلا { لَعِبٌ } يعلب بها أبناء بقعة الإمكان وهم غافلون عن حقيقتها { وَلَهْوٌ } يهلى ويحير قلوبهم في تيه الغفلة والضلال ، وهم تائهون فيها ساهون عمَّن ظهر عليها { وَ } بعدما سمعتم نبذاً من أوصاف دنياكم { إِن تُؤْمِنُواْ } بوحدة الحق وبكمالات أسمائه وصفاته الظاهرة آثارها على هياكل الهوايات المستحقة في الكائنات ، وتوكلوا عليه مفوضين أموركم كلها إليه ، واتخذوه وكيلاً واتخذوه كفيلاً ، واعتصموا بحبل توفيقه ثقة واعتماداً { وَتَتَّقُواْ } أي : تحفظوا أنفسكم عن الميل إلى ما سوى الحق من الأماني العاطلة الإمكانية ، العائقة الدنية الدنيوية ، المثمرة لغضب الحق بمقتضى قدرته الجليلة { يُؤْتِكُمْ } بمقتضى إرادته الجليلة الجميلة { أُجُورَكُمْ } التي استوجبتم بصوالح أعمالكم ، ويزيد عليكم تفضلاً وإحساناً ما لا مزيد عليكم من اللذات الروحانية { وَلاَ يَسْأَلْكُمْ } ويطلب منكم بمقابلة ما أفاض عليكم من الكرامات { أَمْوَٰلَكُمْ } [ محمد : 36 ] أي : جميعها ، بل مقدار ما يزكي بها نفوسكم ويطيب لها قلوبكم من الشح المفرط والميل المتبالغ ، فكيف أن { يَسْأَلْكُمُوهَا } ويطلب منكم سبحانه جميعها { فَيُحْفِكُمْ } ويبالغ عليكم في طلب ما اقترفتم ؟ { تَبْخَلُواْ } ألبتة على الله ورسوله ، وتظهروا الحقد فلا تعطوا ، بل { وَيُخْرِجْ } أي : يبرز ويظهر بخلكم وحقدكم هذا { أَضْغَانَكُمْ } [ محمد : 37 ] وشكائمكم التي تضمرونها في نفوسكم . وبالجملة : { هَا أَنتُمْ } أيها الحمقى الغافلون عن مقتضى الألوهية والربوبية { هَـٰؤُلاَءِ } البخلاء المغرورون بحطام الدنيا الدنية ، المغمورون في لذاتها وشهواتها الفانية العائقة عن اللذات الأخروية ، إنما { تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ } مما أنتم مستخلفون فيه { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } فتفوزوا بالمثوبة العظمى والكرامة الكبرى عنده سبحانه ، وبعد وصول الدعوة إليكم { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } أي : يمنع ولم يعط بل يظهر ما يضمر في نفسه من الضغن والحقد . { وَ } بالجملة : { مَن يَبْخَلْ } من مال بعدما أمر بإنفاقه { فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } إذ نفع الإنفاق وضرر البخل كلاهما عائد إليها { وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ } المستغنى بذاته عن هموم صدقاتكم ومطلق طاعاتكم وعباداتكم { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ } المقصورون على الفقر والاحتياج الذاتي إلى ما عنده سبحانه من أنواع الإنعام والإحسان { وَ } بعدما بلغت لهم يأكمل الرسل ما بلغت من مقتضيات الوحي والإلهام الإلهي { إِن تَتَوَلَّوْاْ } وتنصرفوا عن الإيمان وامتثال عموم المأمورات { يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ } أي : يهلككم ويقيم بدلكم قوماً يؤمنون ويقيمون بامثتال الأوامر والنواهي { ثُمَّ } لما علموا واعتبروا منكم وشاهدوا مقتكم وهلاككم { لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] كافرين بالله كفاراً لنعمه ولحقوق كرمه . خاتمة السورة عليك أيها القاصد نحو طريق التوحيد ، العازم على سلوك سبيل الفناء المثمر للبقاء الذاتي - أوصلك الله إلى غاية مبتغاك ونهاية ممتناك - أن تعتدل في عموم أوصافك وأخلاقك ، سيما في أحوالك التي تتعلق بالإنفاق المأمور عليك بمقتضى الحكمة والعدالة الإلهية ، الناشئة من الله عن محض الإرادة والرضا ، وإياك إياك البخل والتقتير ، فإنه الجالب لحلول غضب الله ونزول أنواع سخطه بمقتضى قهره وجلاله ، فعليك الامتثال بالمأمور ، والاتكال على الملك الرحيم الغفور .