Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 20-29)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } من معظم زاد يوم المعاد : الجهاد مع جنود أعداء الله في الأنفس والآفاق ؛ لذلك { يَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } من كمال حرصهم وشغفهم على القتال ، وترويج كلمة التوحيد وإعلا دين الإسلام : { لَوْلاَ } وهلا { نُزِّلَتْ سُورَةٌ } مشتملة على الأمر بالجهاد حتى نجاهد في سبيل الله ، ونبذل غاية وسعنا في ترويج دينه { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ } على مقتضى ما تمناها المخلصون { وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } أي : أمر فيها على البت ، واستبشر المؤمنون المخلصون بنزولها ، واستعدوا لامتثالها وقبول ما فيها { رَأَيْتَ } يا أكمل الرسل حينئذ المنافقين { ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } راسخ وضعف مستقر مستمر { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ } حين تلاوتك وتبليغك إياهم ما يوحى إليك من ربك { نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } يعني : صاروا حين سمعوا الأمر القتال من كمال نفاقهم وشقاقهم كأنهم أشرفوا على الموت وظهرت عليه أماراته ، وشخصت أبصارهم من أهواله جبناً من القتال وبغضاً عليك { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } [ محمد : 20 ] أي : قرب منهم وحاق بهم ما يكرهون ويخافون منه أولئك الأشقياء المردودون . والأليق بحالهم في هذه الحالة : { طَاعَةٌ } أي : انقياد وإطاعة { وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } قبول مستحسن عند ذوي المروءات والفتوات لو صدر عنهم لكان خيراً لهم وأليق بحالهم لو كانوا مؤمنين ، وبالجملة : { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ } أي : جد ولزم أمر القتال { فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ } المطلع بما في ضمائرهم ونياتهم فيما اظهروا من الحرص والجرأة على القتال { لَكَانَ } الصدق والعزيمة { خَيْراً لَّهُمْ } [ محمد : 21 ] في أولاهم وأخراهم . وإن لم يصدقوا ولم يثبتوا على ما أملوا من طلب القتال { فَهَلْ عَسَيْتُمْ } ويتوقع منكم أيها المسرفون الكاذبون إن { تَوَلَّيْتُمْ } وأعرضتم عن امتثال المأمور أن { تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } المعدة للإصلاح والسداد { وَتُقَطِّعُوۤاْ } [ محمد : 22 ] عن المؤمنين المجبولين على فطرة التوحيد والإسلام مع أنكم مجبولون أيضاً عليها . وبالجملة : { أَوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المعرضون عن الهداية والرشاد ، هم { ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } العليم الحكيم ، وطردهم عن س احة عز حضوره { فَأَصَمَّهُمْ } بهذا عن استماع دلائل توحيده { وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } [ محمد : 23 ] عن مشاهدة آيات ألوهيته وربوبيته الظاهر على الأنفس والآفاق . { أَ } يصرون أولئك المسرفون على الإعراض والانصراف عن الهدى { فَلاَ يَتَدَبَّرُونَ } ويتصفحون { ٱلْقُرْآنَ } ولا يتأملون ما فيه من المواعظ والتذكيرات المفيدة لهم ، الموصلة إلى الهداية والنجاة من أهوال يوم القيامة حتى ينزجروا عن ارتكاب المعاصي ، وينصرفوا عن الميل إليها { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ } أي : بل مختومة على قلوبهم { أَقْفَالُهَآ } [ محمد : 24 ] مطبوعة عليها ، لا تأثر لهم من القرآن ومواعيده ، مع أنهم آمنوا له قبل نزوله على ما وجدوا في كتبهم نعته وعرفوا أحكامه ، ومع ذلك أنكروا عليه وارتدوا عنه . { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ } سيما { مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ } وظهر { لَهُمُ ٱلْهُدَى } والرشاد وجزموا بحقيته ، وحقية ما فيه من الأحكام والعبر والمواعظ ، وبالجملة : { ٱلشَّيْطَانُ } المضل المغوي { سَوَّلَ لَهُمْ } أي : حسَّن وزيَّن لهم الارتداد عن الحق تغريراً وتلبيساً بعدما وضح لهم حقيته { وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } [ محمد : 25 ] بتسويلاته خلاف ما ظهر عليهم من ألسنة كتبهم ورسهلم . { ذَلِكَ } التسويل والتغرير ، وما يترتب عليه من الإعراض والانصراف عن الحق { بِأَنَّهُمْ } أي : بسبب أن اليهود والنصارى { قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ } أي : المنافقين الذي كرهوا { مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ } من السور المشتملة على أمر القتال ؛ حثاً لهم على المخالفة والقعود { سَنُطِيعُكُمْ } ونعاون عليكم { فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ } لو أظهرتم المخالفة ؛ يعني : إن أخذواكم وقصدوا الانتقام عنكم نحن نعاونكم ، إنما قالوا ما قالوا في خلواتهم { وَٱللَّهُ } المطلع لعموم أحوالهم { يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } [ محمد : 26 ] كما يعلم إعلانهم ، هذا من جملة ما احتالوا ومكروا مع الله ورسوله . { فَكَيْفَ } يحتالون ويمكرون { إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } المأمورون لقبض أرواحهم { يَضْرِبُونَ } حينئذٍ { وُجُوهَهُمْ } جزاء ما توجهوا بهذا نحو الباطل { وَأَدْبَارَهُمْ } [ محمد : 27 ] جزاء ما انصرفوا بها عن الحق . { ذَلِكَ } التوفي على وجه العبرة { بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ } من الإعراض عن طريق الحق ومتابعة أهله { وَكَرِهُواْ } بمقتضى أهويتهم الفاسدة { رِضْوَٰنَهُ } أي : ما رضي عنه سبحانه من الأوامر والنواهي المنزلة على ألسنة رسله وكتبه بعدما خالفوا أمر الل وأمر رسوله { فَأَحْبَطَ } سبحانه بمقتضى قهره وجلاله { أَعْمَٰلَهُمْ } [ محمد : 28 ] أي : صوالح أعمالهم ، ولم يترتب عليها الجزاء الموعود كما يرتب على صالحات أعمال المطيعين . { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } مستقر ، وحسد مؤبد ، وشكيمة شديدة مع الله ورسوله والمؤمنين { أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ } ولن يبرز أبداً { أَضْغَانَهُمْ } [ محمد : 29 ] وأحقادهم التي أضمروها في نفوسهم .