Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 5-11)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } بالجملة : { لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ } حين احتياجهم إليك وإرادتهم صحبتك { حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ } لهدايتهم وإرشادهم بمقتضى شفقة النبوة { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } وأولى من مبادرتهم واستعجالهم إلى النداء { وَٱللَّهُ } المطلع بما في ضمائرهم من الإخلاص { غَفُورٌ } يغفر زلتهم إن وقعت منهم أحياناً { رَّحِيمٌ } [ الحجرات : 5 ] يرحمهم إن كانوا من ذوي الإخلاص مع الله ورسوله . ثم نادى سبحانه عمو المؤمنين المخلصين نداء إرشاد وتعليم ؛ تهذيباً لأخلاقهم عما لا يليق بشأن الموحدين ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } مقتضى إيمانكم بالله : حسن الظن بإخوانكم المؤمنين ، فعليكم { إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ } منحرف عن عدالة الإيمان والتوحيد { بِنَبَإٍ } وخبر على سبيل الافتراء والمراء { فَتَبَيَّنُوۤاْ } أي : تعرَّفوا وتفحَّصوا واستكشفوا عنه ، ولا تبادروا إلى تصديقه ؛ كراهة { أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا } أذية وسوءاً بمجرد الظن الكاذب ، مع أنكم { بِجَهَالَةٍ } أي : جاهلين بحاله { فَتُصْبِحُواْ } وتصيروا بعدما تصيبوا القوم البريء { عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ } من أذياتهم { نَادِمِينَ } [ الحجرات : 6 ] محزونين مغتمين ، كلما تذكرتهم تغممتم . { وَٱعْلَمُوۤاْ } أيها المؤمنون { أَنَّ فِيكُمْ } وبين أظهركم { رَسُولَ ٱللَّهِ } وسنته السنية ، الموروثة له من ربه بعد مماته ، فعليكم الإطاعة والمراجعة إليه حين حياته ، وإلى سننه وشرعه في مطلق الأمور والعرض عليه وعليهما والمشاورة معه ، فعليكم ألاَّ تكفلوه إلى قبول ما حسَّنت لكم نفوسكم من الأمور ، فإنه { لَوْ يُطِيعُكُمْ } ويقبل قولكم { فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } أتممتم وهلكتم في الإثم ألبتة ، واستغرقتم فيه ؛ إذ من مقتضى إيمانكم وانقيادكم له أن تفوضوا أموركم كلها إليه ، وتستصوبوها منه ، فإن صوَّب بعضها فيها ، وإلا فلا تكلفوه ؛ إذ منصب النبوة ومقتضى الحكمة يأبَى عن ذلك { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ } يعني : لا تعتذروا في إصابة البريء بمجرد القول الباطل والظن الفاسد بمحبة الإيمان وكراهة الكفر ، فإنه سبحانه وإن حبب إليكم الإيمن { وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ } المؤدي إليه { وَٱلْعِصْيَانَ } المستلزم له ، لكنه إنما حبب الإيمان على مقتضى الصدق والعدالة ، وكرَّه الكفر الناشئ عن قصدٍ واختيار ، لا أن ينسب إلى من ينسب عن بهتان وزور ، فإنه سبحانه لا يرضى لعباده أمثاله ، وبالجملة : { أُوْلَـٰئِكَ } المؤمنون ، المجتنبون عن الزور والتهمة { هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } [ الحجرات : 7 ] المقصرون على الرشد والهداية إلى صراط مستقيم ، هو صراط التوحيد المشتمل المعتدل بين كلا طرفي الإفراط والتفريط . وإنما صار رشادهم هذا { فَضْلاً } ناشئاً { مِّنَ ٱللَّهِ } المطلع لاستعدادات عباده وقابلياتهم { وَنِعْمَةً } موهوبة لهم من عنده { وَٱللَّهُ } المحيط بعموم أحوال عباده { عَلِيمٌ } لحوائجهم المصلحة { حَكِيمٌ } [ الحجرات : 8 ] في إفاضتها حسب المصلحة . { وَ } من جملة أخلاقكم أيها المؤمنون المعتدلون في مقتضى الإيمان : { إِن } كان { طَآئِفَتَانِ } كلتاهما { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } عند ثوران القوة الغضبية ، وهيجان الحمية الجاهلية من كلا الجانبين بسبب الخصومة المستمرة { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } مهما أمكن الصلح على وفق الحكمة والعدالة { فَإِن بَغَتْ } أي : غوت وغلبت { إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } بحيث أدت بغيها إلى الإفراط والظلم الخارج عن مقتضى العدالة الإلهية { فَقَاتِلُواْ } بأمر الله ، مظاهرين مع الطائفة المغلوبة على الطائفة الغالبة { ٱلَّتِي تَبْغِي } وتغوي { حَتَّىٰ تَفِيۤءَ } وترجع { إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } وحكمه المترتب على القسط والعدالة { فَإِن فَآءَتْ } ورجعت عن بغيها وطغيانها { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بعدما وقع ما وقع { بِٱلْعَدْلِ } المنبئ عن الحكمة ورعاية الغبطة بين الجانبين { وَ } بالجملة : { أَقْسِطُوۤاْ } واعتدلوا أيها المؤمنون في عموم أحوالكم وأحكامكم { إِنَّ ٱللَّهَ } المستوي على العدل القويم { يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ الحجرات : 9 ] من عباده . وكيف لا تصلحون بينهما أيها المؤمنون المصلحون ؛ { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ } الموقنون بوحدة الحق ، المصدقون لرسوله المبيِّن لطريق توحيده { إِخْوَةٌ } في الدين القويم { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } بالعدل والإنصاف { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في صلاحكم هذا عن الميل والانحراف { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الحجرات : 10 ] لأجل عدالتكم وتقواكم . { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم ترك المراء والاستهزاء بحيث { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ } منكم أيها الرجال القوامون المقيمون لحدود الله { مِّن قَوْمٍ } أمثالكم في القيام والتقويم ؛ أي : أقوياؤكم ورؤساؤكم من أراذلكم وضعفائكم { عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ } أي : المسخورون المرذولون { خَيْراً مِّنْهُمْ } أي : من الرؤساء الساخرين عند الله ، كذا { وَلاَ } لا تسخر منكم { نِسَآءٌ } عاليات متعززات { مِّن نِّسَآءٍ } سافلات مستضعفات { عَسَىٰ أَن يَكُنَّ } أي : المستضعفات { خَيْراً مِّنْهُنَّ } أي من العاليات عند الله ، وكن أقرب إلى رحمته سبحانه منهن { وَ } كذا { لاَ تَلْمِزُوۤاْ } أيها المؤمنين ولا تعيبوا { أَنفُسَكُمْ } أي : بعضكم بعضاً ؛ إذ المؤمنون كنفس واحدة ، فما لحق لهم وعليهم إنما لحق بهم وعليهم جميعاً { وَ } عليكم أن { لاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ } أي : لا يدعوا بعضكم بعضاً باللقب السوء الدال على الذم والقبح ، فإن النبذ إنما يستعمل في اللقب السوء ، وإنما نهيتم عما نهيتهم ؛ لأنه من جملة الفسوق والعصيان المستلزم لأنواع الخيبة والحرمان ، المسقط للمروءة والعدالة المترتبة على الحكمة الإلهية . وبالجملة : { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ } المنبئ عن الخروج والانحراف عن صراط الحق سيما { بَعْدَ ٱلإَيمَانِ } أي : بعد الاتصاف بالإيمان المنبئ عن كمال الاعتدال { وَ } بالجملة : { مَن لَّمْ يَتُبْ } ولم يرجع إلى الله بعدما صار عنه أمثال هذه الجرائم المذكورة هفوة { فَأُوْلَـٰئِكَ } البعداء المصرون على الغواية والطغيان { هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ الحجرات : 11 ] المقصورون على الخروج عن مقتضى الحدود الإليهة .