Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 1-2)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم الوفاء بالعهدو والعقود الموضوعة فيكم لإصلاح حالكم { أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } واظبوا على إقامة الحدود ، وداوموا على محافظة المواثيق التي وضعها الحق بينكم ؛ لتدبر أمور معاشكم ومعادكم من جملتها أنها { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } وهي الأزواج الثمانية وما يشبهها ؛ تقويماً لمزاجكم وتقيوة له ؛ ليتمكنوا على إتيان ما كلفوا به { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } في كتاب الله تحريمه حال كونكم { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } مطلقاً { وَأَنْتُمْ } في تلك الحالة { حُرُمٌ } محرمين للحج ، مأمورين بحبس القوى الشهوية والغضبية عن مقتضياتهما ، بل معطلين لها حتى تتكنوا ، وتقدروا على الموت الإرادي { إِنَّ ٱللَّهَ } المدبر لمصالح عباده { يَحْكُمُ } بمقتضى حكمته ومصلحته { مَا يُرِيدُ } [ المائدة : 1 ] لهم من التحليل والتحريم بحسب الأوقات والحالات ، لا يسأل عن فعله ، بل لا بد لكم الانقياد ؛ تعبداً ، سيما في أعمال الحج . { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله ؛ طاعةً وتعبداً ، مقتضى إيمانكنم أن { لاَ تُحِلُّواْ } وتبيحوا لأنفسكم { شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } أي : حرمات الله التي حرمها سبحانه في أيام الحج ؛ تعظيماً لأمره وتوقيراً لبيته { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } أي : لا تحلوا قواكم الحيوانية عن الحبس والزجر في الأزمنة التي حرم سبحانه إطلاقها فيها ؛ تعظيماً لبيته { وَلاَ } تبيحوا أيضاً لأنفسكم { ٱلْهَدْيَ } أي : التعرض لما أُهدي إلى البيت قبل بلوغه إلى كله { وَ } أيضاً { لاَ } يتعرضوا { ٱلْقَلاۤئِدَ } وهي ما يعلم ، ويقلد بقلادة دالة على أنه من هدايا بيت الله على ما هو من عادة العرب . { وَ } عليكم أن { لا } تتعرضوا ، وتتقاتلوا مع المؤمنين الموقنين الذين توجهوا نحو الكعبة الحقيقة ، وأرادوا أن يخرجوا عن بقعة الإمكان ، فدخلوا في طريق المجاهدة وسلكوا نحو الوجوب ؛ تقرباً وتشوقاً ، مع كونهم { ۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ } قاصدين التقرب والتحقق بكعبة الذات ، والوقوف بعرفات الأسماء والصفات ؛ إذ لا بد من وقوفها لمن قصد زيارة بيت الله الأعظم ، بل الركن الأصلي لزيارة بيت الله ، وهي هنا الوقوف عند المنجذبين نحو الحق من طريق المجاهدة المستتبعة للكشف والمشاهدة لأهل العناية . وأما المنجبون نحوه بالاستغناء والاستغراق التام الذي لا يحوم حله شائبة من الكثرة أصلاً ، فهم في مقعد صدق عن مليك مقتدر ، حال كونهم { يَبْتَغُونَ } ويطلبون هؤلاء الزوار التحقق بهذه المرتبة العليَّة ، والمنزلة السنيَة { فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ } بلا وسائق الأعمال والنسك ، ووسائق المأمورات والمنهيات { وَ } يطلبون أيضاً من فضل الله { رِضْوَاناً } رضاً من جانب الحق ، وتحسيناً من قبله فيما يأتونه من الشعائر المكتوبة في الحي الحقيقي ؛ إذ لا وثوق للعبد سوى الرضا منك يا أكرم الأكرمين ، ويا أرحم الراحمين . { وَإِذَا حَلَلْتُمْ } قوى حيوانيتكم عن عقال التكاليف المفروضة في الحج بخروج أيامها وأوقاتها مع متمماتها { فَٱصْطَادُواْ } أي : أبيحوا على أنفسكم اصطياد ما أحلَّ الله لكم من صيد البر والبحر { وَ } بعدما علمتم فوائد الحج ، وعرفتم عرفانه ومناسكه { لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } أي : لا يوقعنَّم في الجريمة العظيمة بغض قوم إياكم ، وخوفكم منهم إلى { أَن صَدُّوكُمْ } وصرفوكم { عَنِ } التوجه نحو { ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } الذي حرمت عنده سجود السوى والأغيار مطلقاً . فعليكم أيها القاصدون زيارة الكعبة المعظمة ، والقبلة المكرمة التي هي بيت الوحدة { أَن تَعْتَدُواْ } وتتمنوا ، وتعتادوا على المقاتلة ، والمقاتلة مع الكفار إنما يغني عن الزيارة من القوى الشهوية والغضبية ، والمستلذات الخالية الواهية { وَتَعَاوَنُواْ } استنصورا { عَلَى } جنود { ٱلْبرِّ } المورث للرجاء ، وحسن الظن بربكم { وَ } على جنود { ٱلتَّقْوَىٰ } المشعر للخوف من قهر الله وغضبه { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ } الخصلة الذميمة عقلاً وشرعاً { وَٱلْعُدْوَانِ } أي : التجاوز عن الحدود الشرعية - العياذ بالله - { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أن تجترئوا عليه بنقض عهوده ، ومجاوزة حدوده { إِنَّ ٱللَّهَ } القادر على كل ما يريد { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ المائدة : 2 ] أليم العذاب لمن ظلم نفسه بالإثم والعدوان .