Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 3-3)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم لمَّا كان الأصل في الأشياء الحل والإباحة ، والحرمة إنما عرضت من الشرع ، بيَّن سبحانه أولاً حكم المحللات مطلقاً وما يتفرع عليها ، ثم عيَّن المحرمات التي استثناها بقوله { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ } [ المائدة : 1 ، الحج : 30 ] فقال { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ } في دينكم { ٱلْمَيْتَةُ } المائت حتف أنفه بلا موجب لإزالة الحياة { وَٱلْدَّمُ } المسفوح ، السائل التزكية أو بغيرها { وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } النجس ، الظاهر خباثته عقلاً وشرعاً . { وَ } من جملة المحرمات { مَآ أُهِلَّ } صوت ذبحه { لِغَيْرِ } اسم { ٱللَّهِ بِهِ } من أسماء الأصنام { وَ } كذا { ٱلْمُنْخَنِقَةُ } المزيلة حياتها بالخنق بلا تذكية ، كما يفعل المشركون { وَ } كذا ٱلْمَوْقُوذَةُ المضروبة بالخضب الأحجار إلى أن تذهب منها الروح { وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ } التي سقطت من علو ، أو في بئر فزالت حياتها { وَٱلنَّطِيحَةُ } أيضاً ، وهي التي نطحها الحيوان الآخر فماتت { وَ } كذا حرمت عليكم { مَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ } منه فزال حياته { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } قطعتم حلقومه مهللين حين أحسستم الرمق منه ، فإنه يحل لكم . { وَ } كذا حرمت عليكم { مَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ } أي : الأصنام الموضوعة حول البيت ، كانوا يعظمونها ، ويتقربون إليها بالذبائح والقرابين { وَ } من جملة المحرمات { أَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ } أي : الأقداح ، وذلك أنهم إذا قصدوا فعلاً ضربوا ثلاثة أقداح مكتوب على أحدها : أمرني ربي ، وعلى الآخر : نهاني ربي ، وعلى الثالث : غفل ، فإن خرج الأمر مضو عليه ، وإن خرج النهي انصرفوا عنه ، وإن خرج الغفل أجالوها ثانياً . ومعنى الاستقسام بها : الاستخبار ، والاستفسار عن القسمة الغيبية التي استأثر الله بها ، ولم يطلع أحداً عليها ، وأمثال هذا ما هي إلا كهانة وكفر ، صدرت عن أولي الأحلام السخيفة ، الخبيثة ، الناشئة من عدم الرضا بقضاء الله { ذٰلِكُمْ } أي : استقسامكم واستخباركم من أزلامكم { فِسْقٌ } خروج عمَّا عليه الأمر والشروع وديدنة الجاهلية فعليكم أن تجتنبوا عن أمثالها ، خصوصاً { ٱلْيَوْمَ يَئِسَ } وقنط بالمرة { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } عن انصرافكم { مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ } على غلبتهم بترك رسومهم وعاداتهم المستقبحة . { وَٱخْشَوْنِ } عن بشطي وانتقامي بترك ما أمرتب لكم ، ونهيت عنه في جميع أحوالكم وأزمانكم ، سيما { ٱلْيَوْمَ } الذي هذا قد { أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } بأن ينصركم ويغلبكم على مخالفيكم مطلقاً ، ويظهر دينكم على الأديان كلها { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } ظاهراً وباطناً بالاستيلاء ، والغلبة على الأعداء ، وقمع الآراء الباطلة والأهواء الفاسدة بالكلية { وَ } من إتمام نعمتي عليكم أني { رَضِيتُ } اخترت وانتخبت { لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ } الإطاعة والانقياد { دِيناً } ديدنه ومذهباً ؛ إذ لا دين عند الله إلا الإسلام . وبعد كما دينكم وإتمام النعم عليكم ، وتحليل ما أحل ، وتحريم ما حرم { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } منكم { فِي مَخْمَصَةٍ } مجاعة مفرطة ، ملجئة إلى تناول الجيف والمحرمات حال كونكم { غَيْرَ مُتَجَانِفٍ } مائل { لإِثْمٍ } ومعصية ، رخص التناول منها مقدار سدّ جوعه { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المصلح لأحوالكم { غَفُورٌ } مما صدر عنكم حين اضطراركم ومخمصتكم { رَّحِيمٌ } [ المائدة : 3 ] لا يخواذكم عليه بعدما رخص لكم .