Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 25-27)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ } موسى آيساً ، متحيزاً ، باثاً شكواه مع ربه : { رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ } ولا أثق لامتثال أمرك { إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 25 ] الخارجين عن مقتضى أمرك ، التاركين الامتثال به ؛ من عدم وثوقهم بإعانتك وتأييدك . ولما سمع سبحانه من موسى ما سمع من بث الشكوى ، وكان حالهم وصلاحهم معلومة عنده سبحانه { قَالَ فَإِنَّهَا } أي : الأرض المقدسة { مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } مدة { أَرْبَعِينَ سَنَةً } خصّ هذا العدد ؛ لأنهم لما أعادوا نفوسهم بعدم امتثال أمر الله ، والاستهزاء به وبرسوله إلى ما هم عليه قبل إيمانهم ، والإيمان ماي كمل غالباً إلا بعد الأربعين ، لذلك خصَّ هذه المدة ؛ لمجازاتهم ومجاهداتهم ، ليكملوا الإيمان ، وهم بعدما ارتدوا من الشام وتوجهوا إلى المصر { يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ } المقدسة بستة فراسخ تائهين ، حائرين ، مذبذبين لا إلى مصر وإلا إلى الشام في تلك المدة ، وموسى سارٍ معهم فيها ، يرشدهم إلى أن يخرجهم من الضلال الصوري والمعنوي . ثم لمَّا رأى موسى اضطراب قومه وحزنهم وقلقهم واضطرارهم ، رحمهم ، وندم عمَّا دعا عليهم ، على مقتضى شفقة النبوة ومرحمته ، لذلك رد الله عليه بقوله : { فَلاَ تَأْسَ } أي : لا تحزن أيها النبي الشاكي { عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [ المائدة : 26 ] الخارجين عن مقتضى التصديق والإيمان . { وَٱتْلُ } يا أكمل الرسل { عَلَيْهِمْ } أي : على من اتبعك من المؤمنين { نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ } أي : قصة قابيل وهابيل واختلافهما ونزاعهما وقربانهما ، وقتل قابيل هاببيل ، ليعتبروا وينتبهوا من قصتهما على ما هو الأقول من السبيل ، والأليق بحال المؤمن من حسن المعاشرة والمصاحبة مع الأخوان ، ورعاية الغبطة ، والتصبر على البلية والمحنة ، وإن أدى إلى بذل المجهة والإخلاص مع الله في جميع الأحوال ، تلاوة متلبسة { بِٱلْحَقِّ } مطابقة للواقع موافقة لما في الكتب السالفة . وذلك أنهما تنازعا في تزويج كل منهما توءمة الآخر على ما هو شرع أبيهم ، فقال قابيل : توءمتي أحسن صورة من توءمتك ، أنا أحق بتزويجها منك ، فترافعا إلى أبيهما فأمرهما بالقربان المقرب إلى الله ، اذكر { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً } بإذن أبيهما ، كل واحد منهما على مقتضى إخلاصهما مع الله ، وكان قابيل صاحب زرع ، قرب مقداراً من أردأ قمحه ، وهابيل صاحب ضرع ، قرب شاة سمينة حسناء { فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا } وهو هابيل { وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ } . وعلامة القبول حينئذٍ أنه تنزل نار من السماء ، وتأكل ما يتقربون به ، فأخذا قربانهما وذهبا إلى جبل فطرحها عليه ، وانتظرا القبول ، فنزلت نار فأكلت قربان هابيل ، ولم تأكل قربان أخيه ، فاشتد سخطه وعضبه على أخيه ، وزاد حسده بقبول الله قربانه { قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ } البتة ؛ إذ ظهر مزيّتك عليّ ، وفضلك عند الله منّي ، وبذلك تفتخفر وتتفوق عليّ بين الناس { قَالَ } هابيل : يا أخي ، ما لي في هذا التقرب إلا الإخلاص والرجوع إلى الله والإطاعة والانقياد لأمره ، والاجتناب والتحرز عن سخطه وغضبه بلا غرض نفساني وميل شهواني ، فتقبل مني بفضله ولطفه { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ } أي : ما يتقبل المطلع لسرائر عباده أعمالهم التي يتقربون بها إلى الله إلا { مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] المتقربين إليه بين طرفين الخوف والرجاء ، المخلصين فيما جاءوا به خالصاً لوجهه الكريم ، بلا ميل إلى ما تهوى نفوسهم .