Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 1-15)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قۤ } أيها الإنسان الكامل ، القابل لخلعة الخلافة والنيابة الإلهية والقيم ، القائم لتبليغ الوحي والإلهام المنزل عليك من عنده سبحانه على عموم الأنام ، القائد لهم إلى توحيد الملك العلاّم القدوس السلام ، ذي القدرة والقوة الكاملة الشاملة على أنواع الإنعام والانتقام { وَ } حق { ٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } [ ق : 1 ] العظيم المنزل من المجيد العظيم أنك يا أكمل الرسل لمرسل إلى كافة الخلق من الحق على الحق بالحق ؛ لتبيين طريق الحق وتوحيده ، وبعدما لم يجد المنكرون فيك يا أكمل الرسل شيئاً شيناً يدعوهم ويبعثهم إلى أنكارك وتكذيبك صريحاً ، اضطروا إلى العناد والمكابرة . { بَلْ عَجِبُوۤاْ } واستبعدوا أولئك الحمقى الجاهلون { أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } أي : بعث إليهم رسول من جنسهم وبني نوعهم ، ينذرهم عن أهوال يوم القيامة وأفزاعها مع أنهم منكرون للحشر وإرسال البشر جميعاً { فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ } المستبكرون بعدما سمعوا منك الدعو والإنذار من شدة إنكارهم واستبعادهم : { هَـٰذَا } أي : إرسال البشر إلى البشر ، والإنذار من الحشر المحال كلامها { شَيْءٌ عَجِيبٌ } [ ق : 2 ] وأمر بديع ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين . ثم فصَّلوا ما أجملوا على سبيل التعجب والإنكار ، فقالوا مستفهمين ، ومستفيدين فيما بينهم ، مستعيذين : { أَءِذَا مِتْنَا } أي : أنرجع ونعود أحياء كما كنا إذا متنا { وَكُنَّا تُرَاباً } وهباء منبثاً { ذَلِكَ } العود والرجوع { رَجْعٌ بَعِيدٌ } [ ق : 3 ] عن الوقوع وقبول العقول . ثم قال سبحانه ردعاً لهم وردّاً عليهم : وكيف تستبعدون وتنكرون عنا قدرتنا على بعث الموتى وإعادتهم أحياء كما كانوا ؟ ! مع أنا { قَدْ عَلِمْنَا } على التفصيل والتحقيق { مَا تَنقُصُ } تأكل وتضمحل { ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ } أي : من أجزائهم وأوصالهم ، وكيف لا نعلم { وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } [ ق : 4 ] حاصر لتفاصيل الأشياء ، حافظ لها ، ألا وهو حضرة علمنا الحضوري ولوح قضائنا . { بَلْ } هو من غاية عمههم وسكرتهم ، وكمال غيرهم وغفلتهم { كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ } الصدق المطابق للواقع ، المؤيد بالبرهان الساطع والدليل القاطع ، وهو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم { لَمَّا جَآءَهُمْ } وحين بعث إليهم على الحق ؛ لتبيين الحق وتمييزه عن الباطل ؛ لذلك أنكروا البعث الذي جاء لتبيينه وللإنذار بما فيه من أنواع العقاب والعقوبات ، وبالجملة : { فَهُمْ } بمقتضى أحلامهم السخيفة مغمورون { فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ ق : 5 ] مضطرب ، مخلوط ، يلتبس عليهم حقيته صلى الله عليه وسلم وحقيّة ما جاء به من عند ربه ؛ لذلك يضطربون في شأنه ويقولون تارة : إنه شاعر ، وتارة : إنه ساحر وكاهن ، وتارة : إنه مجنون مخبط ، مختل العقل ، يتكلم بكلام المجانين ، إلى غير ذلك من المفتريات الباطلة . { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ } ولم يتفكروا حين أنكروا الحشر والبعث { إِلَى ٱلسَّمَآءِ } المطبقة المعقلة { فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا } ورفعناها بلا أعمدة وأساطين { وَزَيَّنَّاهَا } بالكواكب المتفاوتة في الإضاءة والتنوير { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } [ ق : 6 ] نتوءٍ وفتوق ، بل خلقناها ملساء متوازية السطوح متلاصقة الطباق . { وَ } لم ينظروا أيضاً { ٱلأَرْضَ } ولم يدبروا فيها كيف { مَدَدْنَاهَا } أي : مهدناها وبسطناها بكمال قدرتنا وحكمتنا { وَأَلْقَيْنَا فِيهَا } وعليها { رَوَاسِيَ } جبالاً ثوابت شامخات { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ } صنف من النبات { بَهِيجٍ } [ ق : 7 ] حسن كريم ، تبهج بها عيون الناظرين وتسر قلوبهم . وإنما خلقنا ما خلقنا من العجائب والغرائب ؛ ليكون { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ } أي : عظة وعبرة دالة على كمال قدرتنا ومتانة حكمتنا وحكمنا { لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } [ ق : 8 ] راجع إلينا ، متوجهٍ نحونا بكمال التبتل والتفويض ؛ ليتبصروا ويتذكروا بها كمال اقتدارنا واختيارنا في خلق عموم المرادات والمقدورات ، ومن جملتها حشر الأموات ، وبعثهم من قبورهم أحياء . { وَ } كيف يسع لأولئك الحمقى إنكار قدرتنا على الإعادة مع أنا { نَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً } كثير الخير والبركة { فَأَنبَتْنَا بِهِ } بعد تنزله على الأرض اليابسة الميتة { جَنَّٰتٍ } أي : حدائق ذات بهجةٍ وبهاءٍ ونزاهةٍ وصفاءٍ { وَ } لا سيما { حَبَّ ٱلْحَصِيدِ } [ ق : 9 ] من البر والشعير وسائر الحبوب المحصودة للتقوت والتعيش . { وَ } أنبتنا به خصوصاً { ٱلنَّخْلَ } وجعلناها { بَاسِقَاتٍ } طوالٍ محتملاتٍ { لَّهَا طَلْعٌ } ثم ذو عنقود { نَّضِيدٌ } [ ق : 10 ] منضود منضدٍ بعضه فوق بعض من كمال كثرته . وإنما أنبتا ما أنبتنا ؛ ليكون { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ } يرتزقون بها ويشكرون منعهما ومبدعها { وَ } بالجملة : { أَحْيَيْنَا بِهِ } أي : بالماء المنزل من السماء { بَلْدَةً مَّيْتاً } يابسة جدبة ، لا كلأ فيها ولا نماء { كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ } [ ق : 11 ] أي : خروجهم من قبورهم أحياء بقدرتنا مثل ذلك ، فمن أين ينكرون ويستبعدون أولئك الحمقى الجاهلون بقدرة العليم الحكيم ؟ ! وليس هذا التكذيب والإنكار ببدع من هؤلاء المكذبين المنكرين يا أكمل الرسل ، بل قد { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } مثل تكذيبهم وإنكارهم { قَوْمُ نُوحٍ } أخاك نوحاً عليه السلام حين بعث إليهم وأنذرهم ، ونهاهم عما هم عليه من الكفر والجحود والخروج عن مقتضى الحدود { وَ } كذا { أَصْحَابُ ٱلرَّسِّ } وهو بئر كانوا يسكنون حوله أخاك حنظلة بن صفوان عليه السلام { وَ } كذب { ثَمُودُ } [ ق : 12 ] أخاك صالحاً عليه السلام ، فعقروا الناقة المقترحة . { وَعَادٌ } أخاك هوداً عليه السلام { وَفِرْعَوْنُ } وملؤه أخاك موسى الكليم { وَإِخْوَانُ لُوطٍ } [ ق : 13 ] سماهم إخوانه ؛ لأنهم أصهاره ، أخاك لوطاً عليه السلام . { وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ } أخاك شعيباً عليه السلام { وَقَوْمُ تُّبَّعٍ } وهو تبع الحميري ، واسمه أسعد أبو كريب ، كذبوا علماءهم وأئمتهم المصلحين وإرشادهم أمثال هؤلاء المسرفين المكذبين لك يا أكمل الرسل { فَحَقَّ } أي : حل ولحق عليهم { وَعِيدِ } [ ق : 14 ] الموعود لهم بتكذيبهم وإصرارهم ، فهلكوا واستؤصلوا ، فكذا هؤلاء المكذبون المسرفون سيهلكون ويستأصلون عن قريب ، فاصبر يا أكمل الرسل على أذاهم ولا تستعجل لهم فسيرون ما يوعدون . ثم قال سبحانه على سبيل الإنكار والاستبعاد على المنكرين المستعبدين بالحشر والبعث : { أَفَعَيِينَا } أي : ينكرون قدرتنا على الإعادة ، وتظنون أن صرنا عاجزين { بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ } أي : الإبداء الإبداعي عن الخلق الثاني الإعادي ، ويزعمون أن قدرتنا تفتر وتضعف عند الخلق الأول ، بل ينتهي دونه ، ولم يعلموا أن قدرتنا لكل مقدور من المقدورات في كل آن من الآناء على شأنٍ من الشئون الكمالية ، بحيث لم يمض مثله ، ولا يتأتى شبهه { بَلْ } يتفطن بمقتضى الفطرة الأصلية أن { هُمْ } في أنفسهم دائما { فِي لَبْسٍ } وخلع { مِّنْ } توارد { خَلْقٍ جَدِيدٍ } [ ق : 15 ] منا ، وإيجادٍ متجدد من قبلنا في كل آن وزمان حسب قدرتنا واختيارنا .