Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 36-45)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال سبحانه تهديداً على من أعرض عن دينه ونبيه : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ } أي : قبل قومك يا أكمل الرسل { مِّن قَرْنٍ } أي : أهله ، مع أنه { هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } قوة وقدرة ، وأكثر أموالاً وأولاداً ، كعاد وثمود وفرعون وغيرهم { فَنَقَّبُواْ } أي : انصرفوا وانقبلوا وساروا { فِي ٱلْبِلاَدِ } متمنين { هَلْ } يجدون { مِن مَّحِيصٍ } [ ق : 36 ] مهرب ومخلص من بطش الله وحلول عذابه عليهم ، فلم يجدوا بعدما استحقوا التعذيب والإهلاك ، وبالآخرة هلكوا واستؤصلوا حتماً ، فكذا هؤلاء المسرفون المعاندون سيهلكون كما هلكوا ، وبالجملة : { إِنَّ فِي ذَلِكَ } القرآن العظيم ، الذي نزل عليك يا أكمل الرسل { لَذِكْرَىٰ } عظة وتذكيراً وعبرة وتنبيهاً { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } يتفطن من تقلبات الأحوال وتطوراتها إلى شئون الحق وتجلياته الجمالية والجلالية حسب اقتضاء الذات بالإدارة والاختيار ، وكمالات الأسماء والصفات { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ } أي : يكون من أرباب الإرادة الصادقة الخالصة عن شوب السمعة ورعونات الرياء ، ألقى سمعه إلى استماع كلمة الحق من أهله { وَهُوَ } حينئذ { شَهِيدٌ } [ ق : 37 ] حاضر القلب ، فارغ الهم ، حديد الفطنة ، صحيح الإرادة ، خالص العزيمة . ثم لما قال اليهود : إن الله خلق العالم في ستة أيام من الأسبوع ، وبعدما عيّ من الخلق والإيجاد استلقى على العرش في يوم الست للاستراحة ، رد الله عليهم فقال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا } وأظهرنا { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا } من الكائنات الممتزجة منهما { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ } مع ذلك { مَا مَسَّنَا } ولحقنا { مِن لُّغُوبٍ } [ ق : 38 ] وصب وتعب وإعياء وفتور ؛ إذ ذاتنا منزهة عن طريان أمثال هذه النقائض الإمكانية . { فَٱصْبِرْ } يا أكمل الرسل { عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } وينسبون إلى الله الصمد القدوس من أمثال هذه المفتريات الباطلة ، الناشئة من جهلهم المفرط بالله وبمقتضى ألوهيته وربوبيته { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } بمقتضى توحيدك وتمجيدك إياه ، ونزِّه ذاته عما يقول الظالمون الجاحدون ، الجاهلون بقدره وعلو شأنه ، وتوجه نحوه سبحانه في عموم أوقاتك وحالاتك سيما { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } [ ق : 39 ] يعني : كلا طرفي النهار ؛ إذ هما أوان الفراغ من مطلق الأشغال . { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } في خلال تهجداتك { وَ } بالجملة : سبِّحه { أَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } [ ق : 40 ] أي : عقب كل صلاة ذات ركوع وسجود . ثم قال سبحانه آمراً لحبيبه صلى الله عليه وسلم { وَٱسْتَمِعْ } يا أكمل الرسل النداء والهائل { يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ } من قب الحق ؛ لقيام الساعة والبعث { مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } [ ق : 41 ] بكل أحد ، بحيث يسمعه بلاك كلفة وشبهة ، فيقول : أيتها العظام البالية واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة ، إن الله يأمركن أن تجتمعن للحساب والجزاء . { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ } النفخة الثانية ملبسة { بِٱلْحَقِّ } تحققوا حنيئذٍ أن { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } [ ق : 42 ] من القبور والبعث والنشور ، وبالجملة : { إِنَّا } من كمال قدرتنا وحكمتنا { نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ } في النشأة الأولى بالإدارة { وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } [ ق : 43 ] أي : مصير الكل ومرجعهم إلينا في النشأة الأخرى . اذكر يا أكمل الرسل لمن أنكر الحشر والميعاد { يَوْمَ تَشَقَّقُ } أي : تنشق وتتخرق { ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ } ويخرجون منها { سِرَاعاً } مسرعين { ذَلِكَ } أي : إخراجهم وخروجهم كذلك { حَشْرٌ } وبعث وجمع { عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ ق : 44 ] سهل . لا تستبعدوا ولا تستعسروا عن قدرتنا الكاملة أمثال هذا : إذ { نَّحْنُ أَعْلَمُ } وأحفظ { بِمَا يَقُولُونَ } أي : المنكرون ، المشركون في سرائرهم ونجواهم { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ } يا أكمل الرسل { بِجَبَّارٍ } تردعهم وتزجرهم عما هم عليه من الإنكار والإصرار ، بل ما أنت إلا مذكر . { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ } أي : بوعيداته وإنذاراته { مَن يَخَافُ وَعِيدِ } [ ق : 45 ] إذ لا ينفع تذكيرك إلا للخائف منهم ، ومن لم يخف ليس لك عليهم سلطان ليزعجهم إلى الإيمان ، ويلجئهم إلى قبول الإسلام ؛ إذ ما عليك إلا البلاغ والتذكير ، والتوفيق من الله العليم الخبير . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي المترقب لتوفيق الحق في عموم أحوالك - وفقك الله على سلوط طريق توحيده - أن تفرغ همك عما سوى الحق ، وتصفي سرك عن مطلق الشواغل المنافية لصرافة الواحدة الذاتية ، وكن في نفسك خائفاً من غضب ربك ، راجياً من عفوه وغفرانه في عموم أعمالك التي جئت بها تقرباً إليه ، مفوضاً أمورك كلها إلى مشيئته ، وبالجملة : عليك أن تتذكر بوعيدات القرآن ومواعيده المستلزمة لصلاح الدارين ، وفلاح النشأتين . وإياك الإعراض عن الحق وأهله ، والانصراف عن معالم الدين المنزل من عنده سبحانه ، لتبيين مسالك توحيده . جعلنا الله من زمرة الراسخين ، المتمكنين في معالم الدين القويم بمنِّه وجوده .