Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 32-49)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ } السخيفة المستمدة من أوهامهم الضعيفة { بِهَـٰذَآ } القول الباطل الزاهق الزائل { أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } [ الطور : 32 ] بغون متناهون في العتو والعناد ، صدر عن أمثال هذه ، بلا تأمل وتدبر على مقتضى عتوهم وثروتهم وكبرهم وخيلائهم . { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ } واخلتقه من تلقاء نفسه ، ونسبة إلى الوحي والإلهام تغيراً وترويجاً { بَل } معظم أمرهم وقصارى رأيهم أنهم { لاَّ يُؤْمِنُونَ } [ الطور : 33 ] به وبك ، فيتفوهون بأمثال هذه المطاعن والقوادح من شدة شكيمتهم ، وغلظ غيظهم وضغينتهم معك يا أكمل الرسل . وبعدما بالغوا في القدح والطعن ، وبلغوا غاية اللإنكار والإصرار ، قل لهم يا أكمل الرسل على سبيل التعجيز والتبكيت : { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ } أولئك المسرفون المفرطون { إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } [ الطور : 34 ] في زعمهم ومفترياتهم مع أنهم لم يأتوا بمثله ، ولا يتأتى منهم الإتيان أيضاً ، وإن يتظاهروا ويتعاونوا بجميع ما في الأرض ؛ إذ هو خارج عن طور البشر ومشاعره . أيصرون على إنكار الخالق مع أنهم مخلوقون { أَمْ } اعتقدوا أنهم { خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ } وبلا فاعل موجد { أَمْ } اعتقدوا نفوسهم أنهم { هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } [ الطور : 35 ] المستقلون على إيجاد هياكلهم بلا مؤثر خارجي هو الله ، أيحصرون حينئذ خالقيتهم لأنفسهم فقط ؟ ! { أَمْ } اعتقدوا أنهم { خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي : العلويات والسفليات والممتزجات ؟ ! وبالجملة : لا ينكرون حدوث الأشياء ، واستنادها المحدث المؤثر { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } [ الطور : 36 ] ولا يتصفون باليقين في إثبات الموجد القديم وتوحيده . أهم يثبتون مرتبة النبوة من تلقاء أنفسهم ، ويختارون لها من يريدون { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ } [ الطور : 37 ] الغالبون المقتدرون على عموم مقاصدهم ومطالبهم ، فيفعلون جميع ما يأملون ويشاءون ، بالإدارة ولاختيار ؟ ! { أَمْ } ادعوا علم الغيب بالاستماع من الملأ الأعلى ؟ ! إذ { لَهُمْ سُلَّمٌ } مرقاة يصعدون بها إلى مكان من السماء { يَسْتَمِعُونَ فِيهِ } من الملائكة ما يظهرون من تكذيب الرسل ، وقدح القرآن { فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ الطور : 38 ] أي : بحجة واضحة ومعجزة ساطعة ، كما أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم . أأنتم العقلاء المتضرون بكمال الرشد والرزانة أيها المسرفون المفرطون { أَمْ } سفهاء منحطون عن زمرة العقلاء مع أن دعواكم بأن { لَهُ } سبحانه { ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ } [ الطور : 39 ] تدل على سفاهتكم وانحطاطكم عن متقضى العقل ؟ ! إذ إثبات الولد مطلقاً للواحد الأحد الصمد ، المنزه عن الأهل والولد بعيد بمراحل عن مقتضى العقل ، فكيف إثبات أخس الأولاد سبحانه ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً . فثبت أن أولئك الحمقى سفهاء ساقطون عن رتبة العقلاء وأهل العبرة ، فلا يسمع منهم مطلق الدعوى ، سيما الأمور المتعلقة بالمعارف الإلهية . فكيف إنكارهم بك يا أكمل الرسل هذا ، أينكرون رسالتك يا أكمل الرسل ، ويظنون لحوق الضرر إياهم منك { أَمْ } أيظنون إنك بسبب تبليغك إياهم { تَسْأَلُهُمْ أَجْراً } جعلاً عظيماً { فَهُم } حينئذ { مِّن مَّغْرَمٍ } والتزام غرامة عظيمة { مُّثْقَلُونَ } [ الطور : 40 ] متحملون الثقل ، لذلك شق عليهم الأمر إلى حيث أنكروا لك ، وانصرفوا عن تصديقك . وبالجملة : أينكرون رسالتك بمقتضى قرائحهم ، ومن تلقاء أنفسهم { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ } أي : لوح القضاء المثبت فيها جميع الأشياء { فَهُمْ يَكْتُبُونَ } [ الطور : 41 ] المغيبات منها ؟ ! { أَمْ يُرِيدُونَ } ويقصدون { كَيْداً } لرسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الندوة { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } مكروا عليه { هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } [ الطور : 42 ] المقصورون على كيدهم ، لا يتعدى عنهم وباله . أينكرون توحيد الحق مكابرة { أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } يعبدونه كعباده ، ويطيعونه على نحو إطاعته ويستعينون منه في الخطوب والملمات ، وبالجملة : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ } وتعالى { عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الطور : 43 ] لهم من أدون مخلوقاته . { وَ } بعدما ألحقوا ، واقترحوا بقولهم : فأسقط علينا كسفاً من السماء { إِن يَرَوْاْ كِسْفاً } قطعاً { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً } عليهم وبمقتضى اقتراحهم { يَقُولُواْ } من شدة عنادهم ، وفرط إنكارهم : هذا { سَحَابٌ مَّرْكُومٌ } [ الطور : 44 ] تراكم بعضه على بعض فيسقط . وبالجملة : { فَذَرْهُمْ } يا أكمل الرسل ، واتركهم على ماهم عليه من العدوان والطغيان { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ } ويصلوا { يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } [ الطور : 45 ] يموتون ، ويهلكون بالمرة ، وهو عند النفخة الأولى ، ثم يحشرون ويعذبون . { يَوْمَ } أي : يومئذ { لاَ يُغْنِي } ولا يدفع { عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ } الذي أتوا به في دار الندوة والابتلاء { شَيْئاً } من الدفع والإغناء في رد عذاب الله { وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } [ الطور : 46 ] ويمنعون حينئذ من بطشه وعذابه . وهم مع ذلك لا يمهلون إلى العذاب الآجل ، بل يعذبون في العاج والبرزخ أيضاً ، كما قال سبحانه : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } العذاب الأخروي الموعود لهم ، وهو وقوعهم في نيران الإمكان بأنواع الخيبة والخسران ، وتقيدهم بسلاسل الآمال وأغلال الأماني { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الطور : 47 ] ولا يفهمون ألمها ، مع أنها من أشد العذاب إيلاماً ، وأصعب الوبال والنكال انتقاماً ، أعاذنا الله وعموم عباده منها . { وَ } بالجملة : { ٱصْبِرْ } يا أكمل الرسل { لِحُكْمِ رَبِّكَ } بإمهالهمم إلى قيام الساعة ، وإبقائك فيما بينهم بأنواع التعب والعناء ، ولا تستعجل لمقتهم وهلاكهم ، ولا تخف من مكرهم معك وغدرهم عليك { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } وكنف حفظنا وحوزة حراستنا وحضانتنا ، نكفيك نكف عنك مؤنة شرورهم ، ولا تلتفت إليهم ، ولا تبالِ بمكرهم وكيدهم ، ولا تشتغل عنا بهمم وبمخاصمتهم { وَسَبِّحْ } أي : نزه ربك عن أن يعجز عن أخذهم وا نتقامهم أو عن إنجاز ما وعد لك من عذابهم ملتبساً { بِحَمْدِ رَبِّكَ } في جميع حلااتك وأوقاتك سيما { حِينَ تَقُومُ } [ الطور : 48 ] من منامك . { وَمِنَ ٱللَّيْلِ } حين تستريح فيه للنوم { فَسَبِّحْهُ } لتكون على ذكر من ربك حين رقودك وغفلتك عن حواسك ؛ ليكون ذكرك حينئذ توصية منك بمتخليلتك وإرشاداًلها وتعليماً إياها { وَ } سبحه أيضاً { إِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ } [ الطور : 49 ] وقت دبور النجوم ، وظهور ضياء الشمس ، فإن كلا الوقتين وقت فراغ البال عن مطلق التشتت والأشغال العائقة عن التوجه ، جعلنا الله ممن خلفف أثقاله وقلل آماله بمنِّه وجوده . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي المتوجه نحو المقام المحمود الذي هو مرتبة الكشف والشهود - هداك الله إلى سواء السبيل ، ووقاك عن مطلق التغيير والتبديل - أن تخلي خلدك عن الركون إلى ما سوى الحق ، والالتفات إلى عموم ما يشغلك عن التوجه إليه ، والتحنن نحوه . ولك الاشتغال بالتسبيح والتقديس في جميع أوقاتك ، وحالاتك سيما في أثناء صلواتك في خلال خلواتك ، إياك إياك الميل إلى مزخرفات الدنيا ولذاتها وشهواتها ، والاختلاط مع أبنائها المنغمسين بقاذوراتها ، فإن التلطخ بمزخرفات الدنيا بكلُّ الأبصار ويعمي القلوب التي في الصدور . خفف عنَّا بلطفك ثقل الأوزار ، وأرزقنا بفضلك عيشة الأبرار ، واصرف عنا بكرمك شر الأشرار .