Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 15-31)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وأنتم أيها المنهمكون في الطغيان وأنواع الكفران في سالف الزمان ، كنتم نسبتم الوحي والإلهام إلى السحر والأوهام تأملوا الآن : { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا } الذي أنتم تطرحون فيها ، وتعذبون بها كما زعمتم فيما مضى { أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } [ الطور : 15 ] ولا تشعرون بها ، كما كنتم لا تشعرون بالآيات الواردة في شأنها حينئذ . وبالجملة : { ٱصْلَوْهَا } وادخلوا فيها ، وبعد دخولكم { فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } وعلى أي وجه تصيروا وتكونوا ، لا مخلص لكم عنها ، ولا مخرج لكم منها ، بل { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } الصبر ، وعدمه في عدم النفع والدفع { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 16 ] أي : ما تجزون إلا بما كسبتم لأنفسكم ، وأعددتم لأجلها ، فيلحقكم الآن وبال ما اقترفتم فيما مضى حتماً على مقتضى العدل الإلهي ، فلا ينفعكم الصبر والاضطراب . ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة من تعقيب الوعيد بالوعد : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } المتحفظين نفوسهم عن محارم الله ، المتحريزن عن إنكار آيات الله الواردة في الوعيد والوعيد ، متلذذون { فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } [ الطور : 17 ] أية جنات وأيُ نعيم : رياض الرضا ونعيم التسليم . { فَاكِهِينَ } متنعمين مسرورين فيها ، مطمئنين راضين { بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ } بمقتضى فضله وسعة جوده ولطفه { وَ } بما { وَقَاهُمْ } وحفظهم { رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } [ الطور : 18 ] أي : أهوالهم وأفزاعها . فيقال لهم فيها على سبيل التبشير والتفريح : { كُلُواْ } من الرزق الصوري والمعنوي { وَٱشْرَبُواْ } بلا تنقيص وتكليف { هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الطور : 19 ] أي : بسبب صالحات أعمالكم وحسنات أفعالكم . { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ } معدة لهم { مَّصْفُوفَةٍ } منضودة مرتبة وفق أعمالهم وأحوالهم ومقاماتهم . { وَ } بعدما تمكنوا على السرر مسرورين { زَوَّجْنَاهُم } وقرناهم استئناساً منا إيامهم { بِحُورٍ عِينٍ } [ الطور : 20 ] مصورة من المعارف والحقائق المنكشفة لهم ، المشهودة بعيون بصائهرم . { وَ } قرناهم أيضاً مع إخوانهم ورفقائهم من الموحدين { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بالله ، وانكشفوا بتوحيده { وَٱتَّبَعَتْهُمْ } ولحقتهم معهم { ذُرِّيَّتُهُم } أي : جميع ما انشعب ، وتفرع منهم من أولادهم وأعمالهم الصادرة عنهم حال كونهم متصفين { بِإِيمَانٍ } يقين علمي وتصديق قلبي وصولهم إلى اليقين العيني والحقي ، بل { أَلْحَقْنَا بِهِمْ } أيضاً { ذُرِّيَّتَهُمْ } أي : مشاهداتهم ، ومكاشفاتهم الواردة عليهم حسب مقاماتهم وحالاتهم بعد اتصافهم باليقين العيني والحقي . { وَ } بالجملة : { مَآ أَلَتْنَاهُمْ } ونقصنا عليهم { مِّنْ عَمَلِهِم } الناشئ منهم في طريق الهداية والرشاد { مِّن شَيْءٍ } نزر يسير ، بل وفينا ووفرنا عليهم جزاء الكل مع مزيد عليها تفضلاً منَّا وإحساناً ؛ إذ { كُلُّ ٱمْرِىءٍ } ذي هوية شخصية مجبولة لحكمة المعرفة ، ومصلحة التوحيد { بِمَا كَسَبَ } من الأسباب { رَهَينٌ } [ الطور : 21 ] مرهون مقرون لا ينفصل عنها . بل { وَأَمْدَدْنَاهُم } تفضلاً وامتناناً منا إياهم ، وتكريماً لهم { بِفَاكِهَةٍ } من المعارف والحقائق الواردة المتجددة آناً فآناً ، حسب الشئون الإلهية وتجلياته والجمالية والجلالية { وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [ الطور : 22 ] أي : يتقوت ويقوى به أشباحهم وأرواحهم . { يَتَنَازَعُونَ } ويتجاذبون { فِيهَا كَأْساً } من رحيق التحقيق ، مع أنه { لاَّ لَغْوٌ فِيهَا } من ضول الكلام { وَلاَ تَأْثِيمٌ } [ الطور : 23 ] من قبح الأفعال المستلزمة للآثام كما هو عادة الشاربين في الدنيا . { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ } بكؤوس التحقيق ورحيق اليقين { غِلْمَانٌ لَّهُمْ } مصور من قواهم المدركة المملوكة لهم ، المسخرة لنفوسهم المطمئنة ، الراضية بمقتضيات القضاء الإلهي { كَأَنَّهُمْ } من غاية الصفاء عن كدر الهواء ورعونات الرياس { لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } [ الطور : 24 ] مصون محفوظ في أصداف أشباحهم عن التلطخ بقاذورات الدنيا الدنية . { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } بطريق المسرة والانبساط { يَتَسَآءَلُونَ } [ الطور : 25 ] عن أعمالهم وأحوالهم ومواجيدهم ومقاماتهم . { قَالُوۤاْ } أي : بعضهم في جواب بعض على وجه المذاكرة والمواساة : { إِنَّا كُنَّا قَبْلُ } أي : قبل انكشافنا بسرائر التوحيد { فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [ الطور : 26 ] خائفين عن بطشه وسخطه وسطوة سلطانه قهره وجلاله ، راجين من سعة رحمته وموائد جوده وكرمه . { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا } وهدانا إلى طريق التوحيد ، وفقنا للعروج إلى معارج العناية والتحقيق { وَوَقَانَا } بلطفه { عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } [ الطور : 27 ] أي : من عذاب النار المحرق النافذ في عموم المساقاة مث السموم . { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ } في دار الدنيا قبل حلول الساعة وقيام القيامة { نَدْعُوهُ } سبحانه ، ونسأل منه الحفظ والوقاية من عذابه ونكاله في هذا اليوم الموعود ، وكيف لا نسأ منه ؟ ! إنه سبحانه { هُوَ ٱلْبَرُّ } المحسن المخصوص المنحصر على الإحسان والإنعام { ٱلرَّحِيمُ } [ الطور : 28 ] كثير الرحمة والامتنان على السائلين المؤمنين المستحقين ، فاستحاب سبحانه بلطفه سؤالنا ، وأنجح آمالنا بمقتضى سعة جوده ورحمته . وبعدما سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت من فضل الله ، ولطفه ، وسعة رحمته ، وجوده مع أوليائه { فَذَكِّرْ } واثبت على العظة والتكذير لعموم عباد الله ، ولا تبالِ بقولهم الباطل في حقك { فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ } التي هي الآيات المنزلة إليك ، الملهمة من ربك { بِكَاهِنٍ } مبتدع مفتر مجترئ على الإخبار عن المغيبات بلا روحي من قبل الحق وإلهام من جانبه { وَلاَ مَجْنُونٍ } [ الطور : 29 ] مختل العقل ، مخبط الرأي كما يزعم في شأنك المسرفون المتفرون . { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ } فصيح بليغ بلغ على حد من البلاغة ، عجز عن معارضته أقرانه مع البلغاء ، فنحن { نَّتَرَبَّصُ } وننتظر { بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [ الطور : 30 ] أي : من الأيام وكرِّ الأعوم إلى أن يموت ، فنخلص من فتنته وشرته . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل : { تَرَبَّصُواْ } وانتظروا لمقتي وموتي { فَإِنِّي } أيضاً { مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [ الطور : 31 ] المنتظرين لمقتكم وهلاككم ، والأمر بيد الله ، والحكم مفوض إلى مشيئته ، موكول إلى إرادته ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد . أهم يكابرون في هذه الأحكام المتناقضة مجادلة ومراء ، وينسبونك مرة إلى الكهانة المتضمنة الفطانة ، ومرة إلى الجنون المنبئ عن نهاية البلادة ، وتارة إلى الشعر المستلزم للوزن والقافية ، مع أن ما جئت به من الكلام عارٍ عن الوزن ، خالٍ عن القافية مطلقاً .