Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 1-26)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } [ النجم : 1 ] أي : وحق النجوم الثواقل الهاوية ، النازلة بقلوب أرباب الإدارة من عالم اللاهوت ؛ ليهتدوا بها في ظلمات التعينات إلى فضاء التوحيد وشمس الوحدة الذاتية الحقيقية . { مَا ضَلَّ } أي : ما انحرف وعدل { صَاحِبُكُمْ } الرسول المؤيد من عند الله ، المستوي على صراط العدالة الإلهية عن طريق التوحيد والتحقيق { وَمَا غَوَىٰ } [ النجم : 2 ] أي : ما ضلَّ وانصرف في سلوك سبيل الحق نحو الباطل الزاهق الزائغ . { وَمَا يَنطِقُ } ويتكلم بالقرآن المعجز { عَنِ ٱلْهَوَىٰ } [ النجم : 3 ] الناشئة من ظلمات الطبيعة والهيولي . { إِنْ هُوَ } أي : ما القرآن الذي ينزل إليه صلى الله عليه وسلم ويتكلم هو به { إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [ النجم : 4 ] إليه من عند ربه ، بلا تصنع له فيه ، وتكلف من جانبه . بل { عَلَّمَهُ } عناية عليه وتكريماً ، وتأييداً بشأنه وتعظيماً { شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [ النجم : 5 ] الذي لا حول ولا قوة في الوجود إلا منه وبه وله ؛ إذ لا موجود سواه . هو سبحانه { ذُو مِرَّةٍ } قوة وقدرة ذاتية محيطة لعموم ما ظهر وبطن من المظاهر ، وبعد تعليم الحق إياه صلى الله عليه وسلم وتقويته وتأييده { فَٱسْتَوَىٰ } [ النجم : 6 ] تمكن واعتدل صلى الله عليه وسلم على صراط العدالة ، وتمكن على مرتبة الخلافة والنيابة . { وَهُوَ } حينئذ من كمال التربية والتأييد تمكن { بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } [ النجم : 7 ] الذي هو أفق عالم اللاهوت ، ومطلع شمس الذات من مشرق عالم العمى ، الذي هو { نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ } [ النور : 35 ] . { ثُمَّ دَنَا } وتقرب إلى ربه { فَتَدَلَّىٰ } [ النجم : 8 ] وتعلق به سبحانه نوع تعلق ولحوق إلى حيث { فَكَانَ } قرب ما بينها { قَابَ قَوْسَيْنِ } أي : مقدار قوسي الوجوب والإمكان ، الحافظين لمرتبتي الألوهية والعبودية { أَوْ أَدْنَىٰ } [ النجم : 9 ] وأقرب منهما لفناء حصة الناسوت مطلقاً في حصة اللاهوت . وبعدما صار صلى الله عليه وسلم ما صار وقرب إلى حيث قرب { فَأَوْحَىٰ } وألهم سبحانه { إِلَىٰ عَبْدِهِ } الذي هو سبحانه أقرب إليه من نفسه { مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] من المعارف والحقائق ، والمكاشفات والمشاهدات الفائضة عليه من لدنه سبحانه ، الخارجة عن طور ناسوته وبشريته ، فرأى صلى الله عليه وسلم ما رأى ، وانكشف بما انكشف ؟ وبالجملة : { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ } أي : فؤداه صلى الله عليه وسلم الذي هو من منهيات عالم اللاهوت ، المتمكن في قلوب ذوي العناية ، وأولي الألباب على سبيل الوديعة من قِبل الحق { مَا رَأَىٰ } [ النجم : 11 ] وشهد حين وصوله ولحوقه بالأفق الأعلى . { أَ } تنكرون انكشافه وشهوده صلى الله عليه وسلم أيها المحجوبون المحرومون { فَتُمَارُونَهُ } وتجادلون معه على سبيل المراء والمكابرة { عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } [ النجم : 12 ] من الذوقيات والوجدانيات التي تأبى عنها عقولكم ، وتعمي أبصاركم ، ولا يمكن إلقاؤها وكشفها لكم . وكيف تستبعدون وتنكرون له صلى الله عليه وسلم أمثال هذا { وَ } الله { لَقَدْ رَآهُ } ما رآه من الشهودات التي تدهش منها عقول العقلاء ، وتتحير أوهامهم وخيالاتهم { نَزْلَةً أُخْرَىٰ } [ النجم : 13 ] مرة أخرى قبل عروجه ووصوله إلى الأفق الأعلى ، والمقام الأدنى الذي هو اليقين الحقي ، وذلك { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 14 ] التي ينتهي إليها ودونها اليقين العلمي والعيني . إذ { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النجم : 15 ] التي يأوى إليها أرباب العناية شوقاً إلى لقاء الله ، وهو موعد الرؤيا والعيان ، ومقام التوحيد والعرفان . { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ } المعهودة ؛ أي : يغطي الموعد الموعود ، ويحيط بها { مَا يَغْشَىٰ } [ النجم : 16 ] من التجليات الإلهية المتشعشعة حسب الشئون المتجددة ، المحيرة لعيون النواظر من أرباب الولاء ، الوالهين بمطالعة وجه الله الكريم . وبالجملة : { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ } أي : ما مال وانحرف بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند تعاقب التجليات الإلهية ، وترادف شئونه الغيبية ، وتطوراته الجمالية والجلالية حسب أسمائه وصفاته العلية ، عن وحدة ذاته ، وما يشغله شيء منه عنه سبحانه { وَمَا طَغَىٰ } [ النجم : 17 ] خرج نفسه صلى الله عليه وسلم عند رؤية ما رأى من العجائب والغرائب عن ربقة الرقية صلى الله عليه وسلم ، وعروة العبودية ، بل التزم حينئذ بقيام ما لزم من آداب العبودية ولوازم الإطاعة والانقياد أكثر مما التزمها قبل انكشافه . والله { لَقَدْ رَأَىٰ } صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء { مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ } [ النجم : 18 ] أي : الآيات الكبرى التي هي آيات ربه الذي رباه على رؤية آياته الكبرى ، ما لا يراه أحد من المكاشفين ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل من بني نوعه . { أَ } تنكرون أيها الجحادون وحدة الحق عز شأنه وجل برهانه ، وانكشاف حبيبه صلى الله عليه وسلم بوحدته وبلوازم ألوهيته وربوبيته ، ورسالته من عنده سبحانه على عموم بريته وكافة خليقته ؛ ليرشدهم إلى الإيمان به ، ويهديهم إلى توحيده { فَرَأَيْتُمُ } أثبتم وأخذتم الأصنام شركاء له ، مشاركين معه في ألوهيته وربوبيته ؛ يعني : الأولى { ٱللاَّتَ وَ } الثاني { ٱلْعُزَّىٰ } [ النجم : 19 ] { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 20 ] مع أنها جمادات لا شعور لها ولا يصدر شيء منها . وأعظم من ذلك أنكم أثبتم له سبحانه الأولاد أخسها وأدونها ، { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ } الأشرف والأكرم أيها الحمقى { وَلَهُ } سبحانه مع كما تنزهه عن نقيصه ، اتخاذ الوالد المترتب على القوة الشهوية { ٱلأُنْثَىٰ } [ الأنثى : 21 ] المرذولة المستهجنة . والله { تِلْكَ } القسمة التي جئتم بها مع استحالتها في حقه سبحانه { إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [ النجم : 22 ] أي : لو فرض في شأنه سبحانه هذه ، لكانت قسمتكم قسمة عوجاء جائزة مائلة عن العدالة ؛ إذ أنتم أيها الحمقى تستنكفون عن الأنثى ، وتثبتونها لله المنزه عن الأهل والولد ، المقدس عن مطلق أمارات الحدوث وعلامات النقصان . وبالجملة : { إِنْ هِيَ } أي : ما آلهتكم التي أنتم أثبتموها ، واعتقدتم شركتها مع الله { إِلاَّ أَسْمَآءٌ } لا مسيمات لها أصلاً بل { سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ } تبعاً { وَآبَآؤُكُم } أصالة من تلقاء أنفسكم ؛ إذ { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } برهان واضح ، وحجة قاطعة بل { إِن يَتَّبِعُونَ } أي : ما يتبع أسلافكم الحمقى { إِلاَّ ٱلظَّنَّ } والخيال الناشئ من أوهامهم وأحلامهم السخيفة أمثالكم أيها الجاهلون { وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ } أي : ما تهويه وتشتهيه نفوسهم { وَلَقَدْ جَآءَهُم } ونزل عليهم حينئذ أيضاً على ألسنة رسلهم { مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } [ النجم : 23 ] المصول إلى مرتبة التوحيد ، فتركوها ظلماً وعدواناً ، ولم يتبعوها أمثالكم أيها الحمقى . أتطمعون الشفاعة من تلك الآلهة الهلكى ، وتأملون معاونتهم ومظاهرتهم إياكم أيها الحمقى ؟ ! { أَمْ } تعتقدون أن يحصل { لِلإِنسَانِ } جميع { مَا تَمَنَّىٰ } [ النجم : 24 ] وتأمل من اللذات والشهوات . بل { فَلِلَّهِ } وفي قبضة قدرته وتحت صرفه { ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } [ النجم : 25 ] أي : ما جرى في النشأة الأولى والأخرى من الكرامات ، يمنُّ بها على من يشاء ، ويصرفها عمن يشاء إرادة واختياراً ، لا يحكم عليه ولا ينازع في سلطانه ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد . ثم قال سبحانه تسجيلاً على غاية غبواوتهم ، ونهاية بلادتهم وحماقتهم في اتخاذهم الأصنام آلهة ، واعتقادهم شفعاء : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : كثير من الملائكة المقبولين عند الله ، المهيمين بمطالعة وجهه الكريم ، مع ذلك القرب والشرف { لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً } من الإغناء { إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ } لهم ليشفعوا عنده سبحانه { لِمَن يَشَآءُ } سبحانه خلاصهم من عباده { وَيَرْضَىٰ } [ النجم : 26 ] بشفاعة الشفعاء عندهم لاستخلاصهم بإذن منه سبحانه . وهؤلاء الحمقى يدعون الشفاعة لأولئك الهلكى ، ويعتقدونها آلهة متشاركين مع الله في الألوهية والربوبية ظلماً وعدواناً ، بلا حجة وبرهان ، ومن غاية عدوانهم وطغيانهم : يهينون الملائكة المكرمين المقربين ، ويستحقرونهم حيث ينسبونهم إلى الأنوثة المستلزمة لغاية النقصان .