Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 27-44)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبالجملة : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } كل واحد منهم ظلماً وزوراً { تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ } [ النجم : 27 ] أي : يسمونهم بنات الله ظلماً على الله ، بإثبات الولد له وعليهم نقص الأنوية إياهم . { وَ } الحال أنه { مَا لَهُم بِهِ } أي : بقولهم هذا { مِنْ عِلْمٍ } لا يقين ولا ظن ، ولا سند من عقل ونقل ، بل { إِن يَتَّبِعُونَ } أي : ما يتبعون في قولهم هذا { إِلاَّ ٱلظَّنَّ } والتخمين الناشئ من تقليد آبائهم ، المنتسبين إلى الجهل والعناد { وَإِنَّ ٱلظَّنَّ } المستند إلى الجهل والتقليد { لاَ يُغْنِي } ويفيد { مِنَ ٱلْحَقِّ } الحقيق بالاتباع { شَيْئاً } [ النجم : 28 ] من الإغناء والإفادة . وبعدما سمعت حالهم وقولهم : { فَأَعْرِضْ } يا أكمل الرسل وانصرف { عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } الصارف له عن أمثال هذه الهذيانات الباطلة ، ولا تبالِ بشأنه ، ولا تبالغ في دعوته من غاية إعراضه وانصرافه { وَلَمْ يُرِدْ } من السعادات المنتظرة ، والكرامات الموعودة للإنسان { إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } [ النجم : 29 ] ولذاتها وشهواتها ، ولم يهتم إلا بشأنها ، واقتصر على مزخرفاتها مع كمال غفلة ، وذهول تام عن الكرامات الروحانية ، واللذات الأخروية . { ذَلِكَ } الذي سمعت يا أكمل الرسل من ميلهم إلى الدنيا { مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } اللذني الفائض لهم من حضرة العلم الإلهي ، فعليك يا أكمل الرسل أن تعرض عنهم وعن دعوتهم وإرشادهم ، بعدما أمرت به حسب العقل الفطري الموهوب لهم من المبدأ الفياض ، وبالغت في تبليغ المأمور . وبالجملة : { إِنَّ رَبَّكَ } الذي رباك بكمال كرامته ، واصطفاط لرسالته ونيابته { عَن سَبِيلِهِ } بعلمه الحضوري { هُوَ أَعْلَمُ } وانحرف { بِمَن ضَلَّ } من عباده ، ومال عن جادة توحيده { وَهُوَ أَعْلَمُ } أيضاً { بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ } [ النجم : 30 ] منهم بهدايتك وإرشادك . { وَ } كيف لا يعلم سبحانه المضلين والمهتدين من عباده ؛ إذ { لِلَّهِ } ملكاً وتصرفاً ، وإحاطة وشمولاً مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } وما بينهما من الكوائن والفواسد { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ } بأعمالهم وأقوالهم { بِمَا عَمِلُواْ } أي : بمقتضى عملهم على مقتضى عدله سبحانه ، بلا زيادة ولا نقصان { وَيِجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } أيضاً كذلك { بِٱلْحُسْنَى } [ النجم : 31 ] أي : أزيد مما استحقوا بصوالح أعمالهم وحسنات أخلاقهم ، تفضلاً عليهم وامتناناً . والمحسنون هم : { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ } أي : يحترزون عن الآثام الكبيرة ، المستجلبة لغضب الله ، المستتبعة لعذابه ونكاله في النشأة الأخرى ، المستلزمة للحدود والكفارات بحسب الشرع الشريف { وَٱلْفَوَاحِشَ } أي : يحفظون نفوسهم أيضاً عن الفواحش المسقطة للمروءات الجالبة لأنواع النكبات ، والوعيدات الهائلة الإلهية المقتضية للخلود في دركات النيران { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } الطارئ عليهم من صغائر الذنوب هفوة ، فجبروه بالتوبة دفعة ، فإنه معفو عن مجتنبي الكبائر والفواحش ، قبل التوبة أيضاً . وكيف لا يغفر سبحانه لأصحاب اللمم { إِنَّ رَبَّكَ } يا أكمل الرسل { وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } سريع العفو ، شامل الرحمة { هُوَ } سبحانه { أَعْلَمُ بِكُمْ } منكم ، وبعموم أحوالكم وأطواركم أيها المجبولون على فطرة التكليف ، وكيف لا يعلم سبحانه أحوالكم ! { إِذْ أَنشَأَكُمْ } وأظهركم { مِّنَ ٱلأَرْضِ } بمقتضى سعة علمه وجوده { وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ } لا شعور لكم محبوسون { فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } يعلم سبحانه منكم جميع أحوالكم ، وأطواركم وعمو حوائجكم الماضية والآتية ، وبالجملة : { فَلاَ تُزَكُّوۤاْ } ولا تنزهوا وتطهروا { أَنفُسَكُمْ } إذ لا علم لكم بتفاصيل أحوالكم وأعمالكم مطلقاً ، بل { هُوَ } سبحانه { أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } [ النجم : 32 ] وحفظ نفسه عن مساخطه سبحانه ، واحترز عن منهياته . ثم قال سبحانه عبرة على المستبصرين وتوبيخاً على المستكبرين : { أَفَرَأَيْتَ } أيها المعتبر الرائي الطاغي { ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } [ النجم : 33 ] وأعرض عن اتباع الحق ، وأصر على الباطل عناداً ومكابرةً ، بعدما وعد الحق التصدق من ماله كفارة لذنوبه ، { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً } مع سمعة ورياء { وَأَكْدَىٰ } [ النجم : 34 ] وقطع عطاء الباقي بعد ذلك ، فما وفَّى ووفر جميع ما وعد ، ثم ارتد - العياذ بالله - وندم عما تصدق قبل ، فأصر على ما كان من الكفر والجحود ، ومع ذلك يزعم أنه قد برئ من الذنوب بتصديقه . نزلت في الوليد بن المغيرة كان يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فعيَّره بعض المشركين ، وقال : تركت دين الأشياخ ، وضللتهم ، فقال : أخشى عذاب الله ، فضمن أن يتحمل عنه العذاب ، إن أغطى بعض ماله من المشروط ، ولم يتم ومع ذلك يزعم البراءة عن الذنوب لذلك ، ثم بخل بالباقي ، وبعدما أعطى بعض المشروط ، ارتد - العياذ بالله - عن الدين ومتابعة الرسول الأمين . عيره سبحانه بقوله : { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } [ النجم : 35 ] بأن التصدق وتحمل الغير وتضمنه يدفع عنه العذاب . { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ } ولم يخبر { بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } [ النجم : 36 ] وهي ألواح التوراة المنصوصة فيه بخلاف ذلك . { وَ } لم ينبأ أيضاً بما في صحف { إِبْرَاهِيمَ } الذي يدعي متابعته والتدين بدينه ، مع أن إبراهيم { ٱلَّذِي وَفَّىٰ } [ النجم : 37 ] ووفر وأتم بجميع ما التزمه وأمر به ، وبالغ في وفاء ما عاهد والتزم طلباً لمرضاة ربه ، وهو يدعي متابعته ، ولم يوفِ بما التزم من العهود . وكيف يحمل الغير عنه وزره أو يسقطه الصدقة ، مع أن مضمون ما في عموم كلتا الصحفين هو هذا { أَلاَّ تَزِرُ } أي : أنه لا تحمل { وَازِرَةٌ } أي : نفس آثمة { وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ النجم : 38 ] أي : ذنبها ، ولا يؤخذ هي عليها ، بل كل نفس من النفوس الخيرة والشريرة ، رهينة بما كسبت ، إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر . { وَ } كذا منصوص في الصحفين أن { لَّيْسَ لِلإِنسَانِ } المجبول على فطرة العرفان ؛ أي : لكل واحد من أشخاصه { إِلاَّ مَا سَعَىٰ } [ النجم : 39 ] واقترف لنفسه وأعد لمعاشه ومعاده . { وَ } كذا ثبت فيما { أَنَّ سَعْيَهُ } أي : سعي كل واحد من أفراد الإنسان خيراً كان أو شراً { سَوْفَ يُرَىٰ } [ النجم : 40 ] في النشأة الأخرى ، مصورة بالصور الحسنة والقبيحة من الدرجات العلية الجنانية ، أو الدركات الهوية النيرانية . { ثُمَّ } بعدما حوسب عليه عموم مساعيه أعماله { يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ } [ النجم : 41 ] أي : يوفر عليه من الجزاء على مقتضى سعيه في أعمالها ، خيراً كان أو شراً . { وَ } أيضاً مثبتاً فيهما { أَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } [ النجم : 42 ] أي : منتهى الكل إلى الله ، كما أن مبدأه منه ؛ إذ ليس وراءه مرمى ومنتهى . { وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ } من أضحك { وَأَبْكَىٰ } [ النجم : 43 ] من أبكى . { وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا } [ النجم : 44 ] إذ لا قادر على الإماتة والإحياء غيره سبحانه .