Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 45-62)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنَّهُ } من كمال قدرته ووفور حكمته { خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ النجم : 45 ] من صنف ونوع وحنس ، وقدر وجود الزوجين { مِن نُّطْفَةٍ } مهينة حاصلة منهما { إِذَا تُمْنَىٰ } [ النجم : 46 ] أي : تصب وتراق في الرحم على وجه الدفق ، أو تقدر وتخلق منها . { وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 47 ] أي : عليه سبحانه إعادة الأموات أحياء في النشأة الأخرى ، كما أن عليه الإبداء في النشأة الأولى . { وَأَنَّهُ } سبحانه { هُوَ } بذاته لا بالوسائل والوسائط ؛ إذ الكل راجع إليه { أَغْنَىٰ } من إغنى بإعطاء الأموال له { وَأَقْنَىٰ } [ النجم : 48 ] من قنى بإلهام القنية والادخار . وإنما فعل معهم ما فعل من الإغماء والإقناء ليشكروا له ، ولم يعبدوا غيره ، ومع ذلك أشركوا له ، فعبدوا الشِّعرى ، { وَ } لا شك أنه سبحانه { هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ } [ النجم : 49 ] وهي كواكب قد عبدها بعض الصابئين ، منهم أو كبشة ، أحد أجداد الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك يكنى بكنيته . { وَأَنَّهُ } سبحانه { أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ } [ النجم : 50 ] لشركهم ، بالله ، وصفهم بالأولى ؛ لأنهم أول قوم أهلكهم الله بعد نوح ، { وَ } أنه سبحانه أهلك { ثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ } [ النجم : 51 ] أحداً من كلا الفريقين . { وَ } أهلك أيضاً بمقتضى قدرته الكاملة { قَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ } أي : قبل إهلاك عاد وثمود { إِنَّهُمْ } أي : قوم نوح { كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } [ النجم : 52 ] أي : أظلم الناس على أهل الله ، وأطغاهم عن طريق الهداية والرشاد . { وَ } أنه سبحانه أهلك { ٱلْمُؤْتَفِكَةَ } أي : أهل القرى المنقلبة ، وهي قوم لوط عليه السلام إلى حيث { أَهْوَىٰ } [ النجم : 53 ] أي : أسقط عليهم درهم وأماكنهم ، بعدما رفعها نحو السماء ، وقلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها ، { فَغَشَّاهَا } حينئذ { مَا غَشَّىٰ } [ النجم : 54 ] من أمطار الحجارة ، وأنواع المصيبات والعاهات ، والنكبات . وبالجملة : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ } وأصناف نعمائه المتوالية المترادفة من انتقام الأعداء وإنعام الأولياء { تَتَمَارَىٰ } [ النجم : 55 ] وتتدافع على وجه الجدال والمراء ، أيها المحجوب الجاحد لوحدة الحق واستقلاله في عموم تصرفاته الجارية في ملكه وملكوته ، بكمال الإرادة والاختيار . وبالجملة : اعلموا أيها المجبولون على فطرة التكليف المثمر للمعرفة والتوحيد أن { هَـٰذَا } أي : رسولكم الذي أرسل إليكم من لدنا ؛ ليرشدكم إلى توحيد الذات ، مؤيداً بالكتاب المبين لمقدمات التوحيد ، مشتملاً على الأوامر المؤدية إليه والنواهي العائلة عنه ، والعبر والتذكيرات المصفية لنفوسكم عن الركون إلى ما ينافيه من المزخرفات الدنية الجالبة لأنواع اللذات ، والشهوات الجسمانية الموروثة لكم من شياطين نفوسكم ، وقواكم البهيمية الظلمانية المتفرعة على الطبيعة ، والهيولي التي هي من نتائج التعينات العدمية الناسوتية المانعة من الوصول لصفاء علام اللاهوت { نَذِيرٌ } لكم أكمل { مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } [ النجم : 56 ] إذ هم منذرون عن الشواغل المنافية ؛ لتوحيد الصفات والأفعال ، ونذيركم هذا صلى الله عليه وسلم ينذركم عن موانع توحيد الذات . واعلموا أنه بعد بعثته صلى الله عليه وسلم : { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [ النجم : 57 ] أي : دنت القيامة واقترتب الساعة ، { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } [ النجم : 58 ] أي : ن فس قادرة على كشفها وتعيينها ، ووقت وقوعها وقيامها ؛ إذ هي من جملة المغيبات التي استأثر الله بها ، ولم يطلع أحداً عليها . ثم وبخ سبحانه على المنكرين ليوم القيامة المستكبرين عن قبولها فقال : { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } الصحيح ، والحق الصريح الذي هو القرآن المعجز { تَعْجَبُونَ } [ النجم : 59 ] تعنتاً وإنكاراً . { وَتَضْحَكُونَ } منه استهزاء ومراء { وَلاَ تَبْكُونَ } [ النجم : 60 ] بما فيه من الوعيدات الهائلة ، تلهفاً وتأسفاً عكلى ما فرطتم لأنفسكم وأفرطتم عليها . { وَأَنتُمْ } أيها الحمقى الجاهلون { سَامِدُونَ } [ النجم : 61 ] لاهون ساهون ، مستكبرون على ماف يه من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد ، مكابرون عليها عتواً وعناداً . وإن أردتم التلافي والتدارك { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ } وتذللوا له حق تذللـه ، و عظموه حق تعظيمه وتكريمه { وَٱعْبُدُواْ } [ النجم : 62 ] له حق عبادته كي تصلوا إلى زلال معرفته وتوحيده . جعلنا الله من زمرة عباده العابدين المتذللين الخاضعين الخاشعين بمنِّه وجوده . خاتمة السورة عليك أيها المريد القاصد لسلوك طريق التوحيد - عصمك الله عن آفات التخمين والتقليد ، وأعانك على التوكل والتجريد - أن تلازم على المجاهدة ، والانكسار والتذلل ، والافتقار بدوام العزلة والفرار عن أصحاب النخوة والاستكبار ، صارفاً عنان عزمك لإسقاط عموم الإضافات و الاعتبار ، طالباً الانخلاع عن ملابس الحياة المستعار ، ملازماً لسبيل المثمر للبقاء الأبدي والحياة الأزلية السرمدية حتى تتخلص من أودية الضلال ، وتصل إلى فضاء الوصال .