Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 54, Ayat: 11-27)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وبعدما قنط ، وبلغ الزجر غايته تضرع نحونا ، مشتكياً من قومه { فَفَتَحْنَآ } لانتقامهم وهلاكهم { أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } [ القمر : 11 ] منصب ، كأنه يجري من جانب السماء . { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } أي : فجرنا عيون الأرض ، وصيرناها كأنها عيوناً كلها { فَالْتَقَى ٱلمَآءُ } الحاصل من كلا الجانبين ، وبلغا { عَلَىٰ أَمْرٍ } حال واحد { قَدْ قُدِرَ } [ القمر : 12 ] أي : قدره الله في حضرة علمه وقضائه ؛ لإهلاك أولئكك الطغاة البغاة . { وَ } بعدما طغى الماء ، وطاف حول الأرض { حَمَلْنَاهُ } أي : نوحاً ومن تبعه { عَلَىٰ } سفينة { ذَاتِ أَلْوَاحٍ } أخشاب عراض { وَدُسُرٍ } [ القمر : 13 ] مسامير طوال { تَجْرِي } السفينة { بِأَعْيُنِنَا } وكنف حفظنا وحضانتنا . وإنما فعلنا مع نوح وقومه ما فعلنا ؛ ليكون { جَزَآءً } حسناً له ولمن آمن به ، وسيئاً { لِّمَن كَانَ كُفِرَ } [ القمر : 14 ] بنعمة هدايته وإرشاده ، ولم يؤمن بدينه ، ولم يصدقه في تبليغه . { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا } أي : السفينة والفعلة التي فعلناها مع المكذبين لرسلنا ، المجترئين علينا بالإنكار والكفران { آيَةً } دالة على قدرتنا على أنواع الإنعام والانتقام { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [ القمر : 15 ] يتذكر بها ، ويعتبر منها . وبالجملة : { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي } للمنكرين المصرين على الإنكار والتكذيب { وَنُذُرِ } [ القمر : 16 ] أي : إنذاري وتخويفي على من يعتبر منهم ، ومما جرى عليهم من العقوبات . { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ } وسهلناه { لِلذِّكْرِ } أي : لأنواع التذكيرات والمواعظ ، والعبر والأمثال { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [ القمر : 17 ] يتعظ به ، ويتذكر مما فيه ويعتبر . { كَذَّبَتْ عَادٌ } كذلك هوداً عليه السلام { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي } إياهم { وَنُذُرِ } [ القمر : 18 ] وإنذاري لمن بعدهم بما جرى عليهم . { إِنَّآ } بمقتضى عظيم قهرنا وجلالنا { أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ } حين أردنا انتقامهم وإهلاكهم { رِيحاً صَرْصَراً } بارداً ، شديد الجري والصوت { فِي يَوْمِ نَحْسٍ } شؤم منحوس { مُّسْتَمِرٍّ } [ القمر : 19 ] شؤمه ونحوسه عليهم إلى أن يستأصلوا بالمرة . ومن شدة جريها وحركتها { تَنزِعُ } وتقلع { ٱلنَّاسَ } عن أماكنهم ، مع أنهم دخلوا في الحفر ، وتشبثوا بالأثقال { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ } أي : أصول نخل { مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] منقلب عن مغارسه ، ساقط على الأرض ، موتى بلا روح . { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي } إياهم { وَنُذُرِ } [ القمر : 21 ] أي : بمن بعدهم . { وَ } الله { لَقَدْ يَسَّرْنَا } أي : سهلنا وأنزلنا { ٱلْقُرْآنَ } المعجز { لِلذِّكْرِ } والاتعاض { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [ القمر : 22 ] متذكر ، يتعظ به . { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } [ القمر : 23 ] أي : الإنذارات الصادرة من لسان صالح عليه السلام بمقتضى الوحي والإلهام الإلهي { فَقَالُوۤاْ } في تعليل تكذيبهم على الرسول : { أَبَشَراً } ناشئاً { مِّنَّا } أي : من جنسنا { وَاحِداً } منفرداً ، لا تبع له ولا رهط { نَّتَّبِعُهُ } نؤمن به ونقاد له ، مع أنه لا مزية له علينا ، لا بالحسب ولا بالنسب ، والله { إِنَّآ } إن فعلنا هكذا { إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ } عظيم ، وغواية عن مقتضى العقل والدراية { وَسُعُرٍ } [ القمر : 24 ] أي : كنا في جنون عظيم بمتابعة هذا المرذول المفضول . ثمَّ استفهموا على شدة سبيل الإنكار والاستهزاء ، والاستبعاد والمراء : { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ } الوحي والكتاب من السماء { عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا } من كمال رذالته ورداءته ، والحال أن فينا من هو أحق به ، وأولى منه ، وبالجملة : ما هو بمقتضى حمله إلاَّ مجنون مخبط ، مختل العقل والرأي { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ } متبالغ في الكذب والافتراء ، غايته { أَشِرٌ } [ القمر : 25 ] بطر ، متناه في الشرارة ، يريد بافترائه واختلافه هذا أن يتكبر علينا ، ويتفوق بنا ، مع كمال تناهيه في الرثاثة والرذالة ، وبالجملة : ما هو إلاَّ من كمال بطره وشرارته . وهم يقولون في حقه ما يقولون من أمثال هذه الهذيانات والمفتريات الباطلة ، إلاَّ أنهم { سَيَعْلَمُونَ غَداً } حين نزول العذاب العاجل والآجل { مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } [ القمر : 26 ] البطر المباهي ببطره ، حيث أعرض عن الحق ، وأصرَّ على الباطل اغتراراً ، أصلح هو أم من كذبه ، وأنكر عليه قوله ؟ ! ثمَّ قال سبحانه لنبيه صالح عليه السلام بعدما بالغوا في العتو والعناد ، واقترحوا منه بإخرج الناقة من الصخرة تهكماً وتعجيزاً : { إِنَّا } بمقتضى كمال قدرتنا وقوتنا { مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ } ومخرجوها من الصخرة ، وباعثوها { فِتْنَةً } عظيمة ، واختباراً { لَّهُمْ } وأوصاهم في شأنها ما لأوصاهم { فَٱرْتَقِبْهُمْ } يا صالح ، وانتظر ماذا يفعلون بها { وَٱصْطَبِرْ } [ القمر : 27 ] على أذياتهم .