Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 1-10)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } ودنت القيامة الموعودة قيامها ، ومن علاماتها : انشقاق القمر { وَ } قد { ٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [ القمر : 1 ] بإشارة الحضرة الختمية المحمدية صلى الله عليه وسلم ، هذا وتواتر وقوعه . { وَ } المنكرون المصرون على الإنكار والتكذيب ، المقيدون بعقال العقل الفضولي ، المغلولون بأغلال الأحلام المشوبة بالخيالات والأوهام { إِن يَرَوْاْ آيَةً } معاينة دالة على كمال قدرة الصانع الحكيم ، والقادر العليم ، يُعْرِضُوا عنها ؛ لعدم مطابقتها بعاداتهم ، ومقتضيات أوهامهم وخيالاتهم { وَيَقُولُواْ } من شدة إنكارهم وعنادهم : هذا الذي صدر منه على خلاف العادة { سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } [ القمر : 2 ] في الزمان ، وقوعه لا مختلق منه فقط . { وَ } بالجملة : { كَذَّبُواْ } الآية الخارقة للعادة { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ } المعتادة الفاسدة ، وآراءهم الباطلة الكاسدة { وَ } هكذا { كُلُّ أَمْرٍ } رسخ ، تمكن في نفوسهم ، سواء كان خيراً أو شراً ، طاعة أو معصية ، ولاية أو عداوة { مُّسْتَقِرٌّ } [ القمر : 3 ] ثابت في مكانه بعدما تقرر وتمرن ، لا يتعداه أصلاً . { وَ } من نهاية تمكنهم ورسوخهم في الكفر والعناد ، وتمرنهم على الغيّ والفساد ، لَقَدْ جَاءَهُم في القرآن المرشد لهم إلى الهداية والعرفان { مِّنَ ٱلأَنبَآءِ } والأخبار الجارية على القرون الماضية ، المصرة على العتو والعناد أمثالهم { مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } [ القمر : 4 ] أي : وعيدات هائلة موجبة للانزجار الكامل ، والارتداع المبالغ لأصحاب الغيرة والاستبصار . أذ هي كلها { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ } نهايتها في الإحكام والإتقان ، ومع ذلك { فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } [ القمر : 5 ] وما تفيدهم إنذاراتهم أصلاً ؛ إذ هم مجبولون على الغواية المتناهية ، أمثال هؤلاء الغاوين المصرين على العتو والعناد معك ، وبالجملة : { فَتَوَلَّ } يا أكمل الرسل ، وأعرض { عَنْهُمْ } وعن دعوتهم وإرشادهم ، وانتظر { يَوْمَ يَدْعُ } وينادي { ٱلدَّاعِ } المنادي هو إسرافيل - ودعاؤه كناية عن نفخة في الصور للبعث أو الحشر { إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } [ القمر : 6 ] فظيع فجيع ، تنكره النفوس ؛ إذ لم يعهد مثله ، وهو هول يوم القيامة المعدَّة للحساب والجزاء . وبعدما سمعوا النداء والهائل ، والصداء المهول { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ } أي : شاخصة ذليلة ، كالتائه الهائب الهائل { يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ } أي : قبورهم التي هم مدفونون فيها في عالم البرزخ ، ويتحركون على الأرض { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [ القمر : 7 ] في الكثرة والانتشار إلى الأمكان . فيتوجهون { مُّهْطِعِينَ } مسرعين { إِلَى ٱلدَّاعِ } المنادي ، مادين أعناقهم نحوه ، ومن شدة خوفهم وهولهم ، ليعلموا لما يدعوهم ، ومن شدة تلك الساعة ، ونهاية أهوالها وفظاعتها { يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ } في نجواهم ، وهواجس نفوسهم : { هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ } [ القمر : 8 ] صعب في غاية الصعوبة والفظاعة . ثمَّ قال سبحانه تسليةً لحبيبه صلى الله عليه وسلم حين كذبه قومه ، حاكياً إياه صلى الله عليه وسلم عن أحوال الماضين تسليةً وإزالةً لحزنه : { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } أي : قبل قومك { قَوْمُ نُوحٍ } أي : لا تحزن يا أكمل الرسل من تكذيب هؤلاء المكذبين بك ، ولا تغتم من أذياتهم ؛ إذ ما هي ببدع منهم بالنسبة إليك ، بل تذكر تكذيب قوم نوح { فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا } أي : كيف كذبوا أخاك نوحاً { وَقَالُواْ } له حين دعوتهم إلى الإيمان : هو { مَجْنُونٌ } مخبط ، مختل العقل والرأي { وَٱزْدُجِرَ } [ القمر : 9 ] وزجر ؟ لأجل دعوته وتبليغه إياهم إلى حيث لطمه كلُّ من يصل إليه ، ورماه بالحجارة كل من يمر عليه ، فصبر على أذاهم ، وبالغ في دعوته إياهم . وبعدما بلغت الأذية غايتها { فَدَعَا رَبَّهُ } دعاء مؤمل ضريع فجيع : { أَنِّي } أي : بأني - على قراءة الفتح - أو قال : إني بالكسر { مَغْلُوبٌ } غلبني قومي ، ولم يقبلوا مني دعوتي وهدايتي { فَٱنتَصِرْ } [ القمر : 10 ] عليَّ يا ربي ، وانتمم لي منهم ، وما دعا عليهم إلاَّ بعد يأسه عن إيمانهم . رُوي أنه يدعو كل واحد منهم جمعاً وفرادى ، فيضربونه ويخنقونه حتى خر مغشياً عليه ، ثمَّ لما أفاق قال : " اللهم اهد هومي ، فإنهم لا يعلمون " .