Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 41-65)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إذ { يُعْرَفُ } ويعلم يومئذ { ٱلْمُجْرِمُونَ } المهملون لأمر الزاد ، المتصفون بالجرائم المستلزمة للانتقام { بِسِيمَاهُمْ } إذ يظهر حينئذ آثار الكآبة والحزن على وجوههم { فَيُؤْخَذُ } بعد الخطاب والحساب { بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } [ الرحمن : 41 ] أي : يشد أعناقم مع أرجلهم بالسلاسل ، ثم يطرحون في النار بأنواع الهوان والصغار ، فيخبركم ربكم بالخلاص عنها قبل حلول أوانها ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 42 ] . فيقال لهم حين إلقاءهم إليها مشدودين مهانين ، زجراً لهم وتوبيخاً { هَـٰذِهِ } النار التي تصلون فيها { جَهَنَّمُ } الموعودة المعدة { ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } الرحمن : 43 ] وقت إخبار الله إياهم على ألسنة رسله وكتبه . فالآن { يَطُوفُونَ } ويترددون { بَيْنَهَا } أي : بين النار { وَبَيْنَ حَمِيمٍ } ماء حار { آنٍ } [ الرحمن : 44 ] متناهٍ في الحرارة إلى حيث يغلب إحراقه وحرارته على النار المسعرة ، فأراد سبحانه أنقاذكم منها بإرسال الرسل وإنزال الكتب . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 45 ] أيها المجبولان على الكفران والنسيان . ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة في كتابه من تعقيب الوعيد بالوعد : { وَلِمَنْ خَافَ } من كلا الفريقين ؛ أي : مكلفي الجن والإنس وفي النشأة الأولى { مَقَامَ رَبِّهِ } أي : خاف عن قيامه بين يدي ربه في النشأة الأخرى للعرض والجزاء ، واشتغل في هذه النشأة إعداد ذلك اليوم ، وتهيئة أسبابه من اكتساب الحسنات و ترك السيئات من الأخلاق والاعتقادات ، وصوالح العبادات والطاعات المقبولة يومئذ عند الله على مقتضى ما أمرهم الحق ، ونهاهم عنه بإرسال الرسل وإنزال الكتب { جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] معدتان لكل خائف عند ربه جنة جسمانية ، يتلذذ فيها بدل ما ترك من اللذات الدنيوية وشهواتها الفانية اتقاء عن الله ، وجنة روحانية عناية من الله وفضلاً من " ما لا عين رأت ولا أذن سمعت … الحديث " . وبالجملة : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 47 ] أيها المكلفان ! والجنتان المذكورتان { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } [ الرحمن : 48 ] أنواع وأصناف من الأشجار المثمرة بالأثمار البهية والفواكه الشهية ، وأنواع من المعارف والحقائق المثمرة للحالات العلية والمقامات السنية ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 49 ] . { فِيهِمَا } أي : في تلك الجنتين { عَيْنَانِ } متشائتان من بحر الحياة الإلهي ، المتفرعتان على أسمائه وأوصافه الجمالية والجلالية { تَجْرِيَانِ } [ الرحمن : 50 ] بين يدي الخائف الملتجئ إلى الله على مقتضى التجليات الحبية ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 51 ] . { فِيهِمَا } أي : في تلك الجنتين { مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } [ الرحمن : 52 ] صنفان من المعارف والحقائق على مقتضى تربية العينان والمذكرتان ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 53 ] أيها المسخران تحت لطفه وقهره وجلاله وجماله . ثم إنهم يتنعمون بما ذكر من النعم العظام حال كونهم { مُتَّكِئِينَ } متمكنين راسخين { عَلَى فُرُشٍ } من الاعتقادات الراسخة { بَطَآئِنُهَا } أي : وجوهها التي تلي قلوبهم وأرواحهم { مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } وهو الغيظ الصلب من الديباج ، بحيث لا تخلل فيه ولا فرج ، ألا وهو المثال لليقين الحقي الذي لا يطرأ عليه التردد والتذبذب مطلقاً . { وَ } بالجملة : { جَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ } أي : التلذذ والتنعم بثمارهما { دَانٍ } [ الرحمن : 54 ] قريب ؛ إذ لا ترقب ولا انتظار في اليقين الحقي ، بل أقرب إلى العارف منه بعدما وصل إليه { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 55 ] . { فِيهِنَّ } أي : في الجنان المعدة لأرباب العناية والامتنان ، مخدرات المعارف الحقائق الواردة على قلوبهم حسب استعداداتهم المتفاوتة { قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } أي : كل منهم منحصرة الطرف ، مقصورة النظرة على كل من هي ترد عليه ؛ بحيث لا تتعدى إلى غيره ؛ لا ختلاف قابلياتهم حسب الفطرة الأصلية بمقتضى اختلاف تجليات الحق وشئونه بحيث { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ } ولم يتلذذ معهن { إِنسٌ قَبْلَهُمْ } ولا بعدهم { وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 56 ] كذلك ؛ إذ مراتب الشهود على مقتضى تجليا الوجود وتطوراته ، فكما لا تكرر ولا اتحاد بين اثنين في التجليات الإلهية ، كذلك في مراتب أرباب الشهود القابلة لها ، المستعدة إياها ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 57 ] . { كَأَنَّهُنَّ } من كمال الصفاء الشفاء والجلاء { ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } [ الرحمن : 58 ] المسرتان لأرباب النظر والعيان ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 59 ] . وبالجملة { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ } في الأعمال والأخلاق ، وعموم الشيم والأحوال { إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] من الله ، والرضوان منه سبحانه على سبيل التفضيل والامتنان ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 61 ] . وهاتان الجنتان المذكوران مع ما فيهما من المقامات العلية والدرجات السنية للخائفين من الله ، ومن سطوة قهره وجلاله في عموم أحوالهم وأطوارهم ، المفوضين المتوكلين عليه سبحانه عموم أمورهم في مطلق شئونهم وتقليداتهم ، الراجين منه رضاه عنهم بمتقضى لطفه وجماله { وَمِن دُونِهِمَا } أي : من دون الجنتين المذكورتين ، وأدون منهما وأنزل رتبة { جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 62 ] أخريان أيضاً للأبرار المسحنين بالأخلاق وال عمال المشتبثين بأذيال الأماني والآمال حيث الحوائج والأغراض ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 63 ] . فهاتان الجنتان ، وإن لم تكونا كتلك الجنتين المذكورتين في الأثمار والأشجار والمعارف والأسرار ، إلا أنهما { مُدْهَآمَّتَانِ } [ الرحمن : 64 ] خضراوان نضارتان بمياه الأعمال الصالحة ، والأخلاق الحميدة الصادرة من الأبرار الأخيار ، المتمسكين بشعائر الشرع ومعالم الدين المستبين ، { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 65 ] .