Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 17-40)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكيف يليق بشأنه سبحانه الإنكار والتكذيب ، مع أنه سبحانه { رَبُّ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } أي : مشرقي الظهور والبروز من عالم العماء واللاهوت إلى فضاء الأوصاف والأسماء المسمى : بالغيب والأعيان الثابتة ، ثمَّ منها إلى عالم الشهادة في السير الهابط { وَرَبُّ ٱلْمَغْرِبَيْنِ } [ الرحمن : 17 ] أي : مغربي الخفاء والبطون عن عالم الناسوت إلى برزخ الأعيان الثابتة ، ثمَّ عنها إلى عالم اللاهوت في السير الصاعد ؛ إذ يتوالد دائماً على شمس الحقيقة والحقية الذاتية ، باعتبار تجلياتها حسب أسمائها وصفاتها ، شروق وأفول ، وطروق طلوع وغروب ؟ ! وبالجملة : { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 18 ] أيها المظهران الكاملان المجبولان على فطرة الشعور والعرفان . ومن أنى يتأتى التكذيب في شأ ، ه سبحانه ؛ إذ هو بمقتضى قدرته { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي : أرسل وأطلق بحر الوجود والعدم إلى حيث { يَلْتَقِيَانِ } [ الرحمن : 19 ] أي : يتمازجان ويختلطان ، بحيث لا يتمايزان عند المحجوب الفاقد عن الكشف والشهود ؟ ! ويبقى { بَيْنَهُمَا } عنايةً منه سبحانه { بَرْزَخٌ } هو الإنسان الكامل المنكشف بكيفية انبساط بحر الوجود العذب على بحر العدم المالح ، وامتداده عليه وانطباق سطوحهما ، بحيث لا يتمايزان عند المحجوب الفاقد عين العبرة ، وبصر البصيرة ، وجعل سبحانه برزخ الإنسان الكامل على مقتضى الحكمة المعتدلة ، بحيث { لاَّ يَبْغِيَانِ } [ الرحمن : 20 ] أي : لا يبغي ويغلب كلّ من يجري الوجود والعدم على صاحبه في مرتبته ونشأته ، حتى يبطل حكمة الظهور والبطون ، والجلاء والخفاء ، والإلوهية والعبودية ، وسائر المتقابلات المترتبة على الشئون الإلهية المتفرعة على الأسماء الذاتية . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 21 ] أيها المكلفان الذاتية . وكيف لا تعتبران ، ولا تشركان نعمه ، مع أنه { يَخْرُجُ } حسب عنايته الآزلية { مِنْهُمَا } أي : من البحرين المذكورين { ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] أي : يخرج لكما أيها الثقلان المجبولان على فطرة الإيمان ، من امتزاج البحرين المذكورين ، لآلئ المعارف والحقائق ، ومرجان الشهود والإيقان ؟ ! { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 23 ] أيها الممنونان المغموران ، المستغرقان في موائد كرمه . { وَلَهُ } سبحانه تفضلاً على عباده وامتناناً لهم { ٱلْجَوَارِ } أي : سفن الملل والأديان المنزلة من عنده سبحانه على عموم الرسل والأنبياء ليرشدوا بها أممهم إلى طريق التوحيد والعرفان { ٱلْمُنشَئَاتُ } المصنوعات المستحدثات { فِي ٱلْبَحْرِ } أي : بحر الوجود { كَٱلأَعْلاَمِ } [ الرحمن : 24 ] أي : كالرواسي العظام التي يعلم ويشار بها للتائهين في بيداتء الوجود ، الضالين في صحراء الجحود ، إلى جادة اليقين والعيان . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 25 ] أيها المكلفان . وبالجلمة : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا } أي : على أرض القوابل والهيولى من التعينات المستتبعة لأنواع الإضافات ، الحاصلة من تموجت بحر الوجود وتجلياته بمقتضى الكرم والجود ، إنما هو { فَانٍ } [ الرحمن : 26 ] لا وجود ، ولا تحقق لها في ذواتها أصلاً ، سوى أنها انبسط عليها أظلال الأسماء والصفات الإلهية . { وَ } بعد فناء نقوش الأمواج والأظلال بأسرها { يَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ } يا أكمل الرسل بمقتضى صرافة وحدته ، مستغنياً في ذاته عن عموم مظاهره ومخلوقاته ؛ إذ هو سبحانه { ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } [ الرحمن : 27 ] لا يشارك في وجوده ، ولا ينازع في سلطانه ، فمآل الكل إليه ، كما أن مبدأه منه ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد . وإذ كان شأنه سبحانه هذا { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 28 ] أيها الأضلال الهلكى . وبالجملة : { يَسْأَلُهُ } ويستمد منه في كل زمان وآن ، ويستظل تحت ظل جود وجوده كلُّ { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } من فواعل المظاهر وقوابلها ؛ إذ { كُلَّ يَوْمٍ } وآن { هُوَ } سبحانه { فِي شَأْنٍ } الرحمن : 29 ] لا يسبقه شأن ، ولا يلحقه شأن مثله ، فكلّ من المظاهر الإلهية في كل آن وطرفة في خلع صورة ، ولبس أخرى حسب شئون الحق ، وسرعة نفوذ قضائه . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 30 ] ايها المجبولان على فطرة الدراية والشعور . ثمَّ لما عدَّ سبحانه على عموم المكلفين نبذاً من نعمه العظام ، على سبيل التنبيه والامتنان ، أراد ، يشير إليه ، ويبينه عليهم بالقيام على أداء حقوقها ، ومواظبة شكرها ؛ لئلا يغفلوا من الله ، ولا يستحيوا عند الحساب في يوم الحشر والجزاء ، فقال : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ } نتجرد ونخلو لحسابكم ، وتنقيد أعمالكم وجزائكم على مقتضاها { أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } [ الرحمن : 31 ] المثقلان بشكر نعمنا ، وأداء حقوق كرمنا ، ومتى سألناكما عن أعمالكما . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 32 ] وتنكران ، مع أنَّا ما خفي علينا شيء من أعمالكم مطلقاً ، لام من كفرانكم وعصيانكم ، ولا من شكركم وإيمانكم . ثمَّ قال سبحاه منادياً لهم على وجه التوعيد والتوبيخ والتهديد : { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } المجبولين على فطرة التكليف بمقتضى الحكمة البالغة ، عليكم أن تنقادوا وتطيعوا بعموم ما كلفتم به ، والمثمر لحكمة المعرفة واليقين ، إلاَّ { إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } وقدرتهم { أَن تَنفُذُواْ } وتخرجوا فارين عن مقتضيات قهرنا وغضبنا { مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : من جهة العلويات والسفليات { فَٱنفُذُواْ } واخرجوا ، مع أنكم { لاَ تَنفُذُونَ } ولا تقدرون على الخروج { إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } [ الرحمن : 33 ] أي : بقدرة واقتدار موهوبة لكم من قِبَل ربكم ؛ إذ لا يصدر منكم مطلق الأفعال الحركات إلاَّ بإقدار وتمكينه سبحانه . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 34 ] . وكيف تنفذون وتفرون من حيطة قدرته وجلاله ؛ إذ { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا } في النشأة الأخرى جزاءً لأعمالكم { شُوَاظٌ } لهب مشتعل { مِّن نَّارٍ } موقدة مسعرة { وَنُحَاسٌ } أي : دخان مظلم حاصل منها ، وبالجملة : { فَلاَ تَنتَصِرَانِ } [ الرحمن : 35 ] ولا تمتنعان عنهما ، ولا تدفعانهما بحولكما إلاَّ بعناية ناشئة من الله ، وفضل يدرككم من لدنه . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 36 ] وعليكم أن تشركوا آلاء الله ، وتواظبوا على أداء حقوق نعمائه قبل حلول يوم الجزاء وبعده يوم الحشر . { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ } واندكت الأرض من خشية الله ، ورهبته { فَكَانَتْ } السماء من كمال غضب الله { وَرْدَةً } حمراء مذبة { كَٱلدِّهَانِ } [ الرحمن : 37 ] أي : تذوب كالدهن المذاب من شدة الخشية الإلهية ، فلا يمكنكم حينئذ التدارك والتلافي . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 38 ] حيث يخبركم بالتهيئة والتدارك قبل حلول الساعة . بل { فَيَوْمَئِذٍ } أي : حين انشقاق السماء { لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } [ الرحمن : 39 ] أي : لا يُسأل حينئذ لا عن ذنب الإنس ولا على ذنب الجان ، ولا يتلفت إلى أعمالهما وأفعالهما ، بل يبعثون من قبورهم ، ويساقون نحو المحشر حيارى تائهئين للحساب والجزاء ، فاعتنى سبحانه بشأنكم ، ونبهكم على إعداد الزاد قبل يوم المعاد . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 40 ] وكيف لا تعتادون ، ولا تتزودون ليومكم هذا ؟ !