Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 1-17)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اذكر يا أكمل الرسل للمعتبرين من المكلفين وقت : { إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [ الواقعة : 1 ] العظمى الموعودة ، وحديث الطامة الكبرى المعهودة من لدنه سبحانه ، مع أنه { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا } حين وقوعها نفس { كَاذِبَةٌ } [ الواقعة : 2 ] تكذبها ، كما تكذب بها الآن . وليس أيضاً لوقوعها حين وقوعها نفس { خَافِضَةٌ } تخفضها بالتردد فيها ولا نفس { رَّافِعَةٌ } [ الواقعة : 3 ] ترفعهم بالجزم بها ، بل وقعت حين وقعت حتماً بلا ريب وتردد ، وبلا خفض أحد ورفع آخر . اذكر يا أكمل الرسل لمن أنكر وقوعها ، وتردد فيها نبذا من أماراتها وأشراطها وقت : { إِذَا رُجَّتِ } وحركت { ٱلأَرْضُ رَجّاً } [ الواقعة : 4 ] تحريكاً شديداً عنيفاً بحث انهدمت ما عليها من الأبنية المحكمة والبقاع المشيدة . { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ } أي : تشتت وتفتت أجزاؤها { بَسّاً } [ الواقعة : 5 ] تفتتاً تاماً وتشتتاً كاملاً بحيث اضمحلت أجزاؤها ، وتلاشت وصارت كالسويق الملتوت . وبالجملة : { فَكَانَتْ } الجبال التي عليها { هَبَآءً } هشيماً غباراً { مُّنبَثّاً } [ الواقعة : 6 ] منتثراً منتشراً متفرقاً ، بحث تلاشت هويات ما عليها مطلقاً . { وَكُنتُمْ } حينئذ أيها المكلفون المعتبرون { أَزْوَاجاً } وأصنافاً { ثَلاَثَةً } [ الواقعة : 7 ] حسب معاشكم في النشأة الأولى . { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } أي : اليُمن والكرامة من الأخيار الأبرار المحسنين بصوالح الأعمال والأحوال ومحامد الأخلاق والأطوار { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } [ الواقعة : 8 ] أي : ما أعظم شأنهم وإكرامهم ، وأحسن حالهم بيمنهم وسعادتهم الشاملة لهم حسب اتصافهم بصالحات الأعمال ، وبالاعتقادات الصحيحة والأخلاق المرضية . { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } والشمال ؛ أي : ملازمو الشآمة والملامة ، وأنواع الندامة والخذلان ، من المفسدين المسرفين ، المصرين على أنواع الكفر والفسوق وأصناف العصيان والآثام من مفاسد العقائد ، ومقابح الشيم والأخلاق { مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } [ الواقعة : 9 ] أي : ما أقبح حالهم أشد عذابهم ، ونكالهم وشآمتهم وشقاوتهم المستمرة عليهم بشؤم مكاسبهم ومفاسدهم . { وَٱلسَّابِقُونَ } المبادرون نحو الحق من طريق الفناء ، الباذلون مهجهم في سبيله إلى الدرجات الإرادية شوقاً إلى لقائه هم { ٱلسَّابِقُونَ } [ الواقعة : 10 ] المقصورون على السبق والحضور مع الله بلا توجه منهم إلى لوازم هوياتهم الباطلة وهياكلهم العاطلة . { أُوْلَـٰئِكَ } المقبولون هم { ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ الواقعة : 11 ] عند الله المتنعمون { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [ الواقعة : 12 ] أي : منتزهات الوحدة الذاتية التي هي اليقين العلمي والعيني والحقي . وهؤلاء المقربون الواصلون إلى مقر الوحدة متفاوتون في القلة والكثرة ، والدرجات العلية والمقدمات السنية بالنسبة إلى مسالكهم ومعارجهم لذلك { ثُلَّةٌ } أي : جماعة عظيمة { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } [ الواقعة : 13 ] أي : من الأمم السالفة ، وهم الأبرار الذين تقربوا نحو الحق بتوحيد الصفات والأفعال . { وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 14 ] أي : حمع قليل بالنسبة إلى الأولين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم الذين وصلوا بل اتصلوا إلى الله سبحانه من طريق توحيد الذات ، المسقط لعموم الإضافات والكثرات ، وهؤلاء أعزك ، وأقل وجوداً بالنسبة ؛ أي : الأمم السالفة ، لذلك وصفوا بالقلة ، وبالجملة : كلهم على تفاوت طبقاتهم في منتزهات الوحدة متنعمون متمكنون : { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } [ الواقعة : 15 ] مسوجة مشبكة حسب درجاتهم العلية ومقاماتهم السنية . { مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا } أعلى تلك السرر { مُتَقَابِلِينَ } [ الواقعة : 16 ] مع عموم كمالاتهم ومقاماتهم وحالاتهمه بلا ترقب منهم وانتظار لهم ، ومع ذلك { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ } للمؤانسة { وِلْدَانٌ } صباح ملاح مصورون من حسنات أعمالهم وأخلاقهم { مُّخَلَّدُونَ } [ الواقعة : 17 ] دائمون مستمرون على تلك الصور الصبيحة المليحة ، لا يتغيرون ، ولا يتحولون منها أصلاً كتغير ملاح الدنيا .