Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 56, Ayat: 18-50)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ بِأَكْوَابٍ } يعني : يطوفون عليهم بكؤوس ، وهي التي لا عرى لها { وَأَبَارِيقَ } وهي التي لها عرى مملوء من الماء القراح ، المثمر للعلوم اللدنية لشاربيها { وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } [ الواقعة : 18 ] أي : من رحيق التحقيق واليقين الذي { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } ولا يشوشون في تحصيلها كالعلوم المكتسبة { وَلاَ يُنزِفُونَ } [ الواقعة : 19 ] ولا يسكرون منها ، إلى حيث ينقطع تلذذهم بها من غاية سكرهم . { وَفَاكِهَةٍ } كثيرة { مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ } [ الواقعة : 20 ] أي : يختارون وينتخبون لأنفسهم من أنواع المعارف والحقائق والأحوال والمقامات التي تتلذذها أرواحهم من آثار الأسماء والصفات الإلهية . { وَلَحْمِ طَيْرٍ } يتقوت به أشباحهم { مِّمَّا يَشْتَهُونَ } الواقعة : 21 ] . { وَ } لهم أيضاً للخدمة والمؤانسة { حُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] مصورة من اعتقاداتهم الصحيحة الراسخة . { كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ } [ الواقعة : 23 ] المصون في أصداف أشباحهم . وإنما يعطون فيها ما يعطون { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الواقعة : 24 ] من العمال الصالحة والأخلاق المرضية . ومن كمال تنعمهم فيها وأمنهم وترفههم { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } باطلاً من الكلام بلا طائل { وَلاَ تَأْثِيماً } [ الواقعة : 25 ] على سبيل الإلزام والإفحام . { إِلاَّ قِيلاً } وقولاً من كل جانب { سَلاَماً سَلاَماً } [ الواقعة : 26 ] على وجه الترحيب والإكرام ، هذا للمقربين السابقين . { وَ } أمّا { أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ } [ الواقعة : 27 ] أي أصحاب اليمن والكرامة وأنواع التعظيم والتكريم . فهم أيضاً متنعمون { فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ } [ الواقعة : 28 ] أي : نبق لا شوك له ؛ لخلوص أعمالهم وحسناتهم عن شوك المنّ والأذى ، والسمعة والرياء . { وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ } [ الواقعة : 29 ] أي : شجر موز منضد موفور الثمر ، مرتب من أسفله إلى أعلاه لإيفائهم وتوفيرهم في كسب الحسنات وفعل الخيرات . { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [ الواقعة : 30 ] إلهي لا يتقلص ولا يتفاوت ؛ لدوامهم على مواظبة الطاعات ، وملازمة العبادات . { وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ } [ الواقعة : 31 ] مصبوب لهم أين شاءوا ، وكيف شاءوا ، بلا تعب وترقب ؛ لأنهم صاروا في إتيان الأعمال كذلك ؛ طلبا لمرضاته . { وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ } [ الواقعة : 32 ] مما يتفكه بها أرواحهم وأشباحهم { لاَّ مَقْطُوعَةٍ } منتهية كفواكه الدنيا . { وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [ الواقعة : 33 ] لتساوي نسبتها إلى الكل بلا تفاوت وتمانع ؛ لإتيانهم بصوالح الأعمال والأخلاق على الدوام ، بلا قطع ومنع . { وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ } [ الواقعة : 34 ] ممهدة منضدة بعضها فوق بع ض ؛ لرسوخهم وتمكنهم على الأحكام الإلهية المرتفعة بحسب الحكم والأسرار المودعة فيها . ثم قال سبحانه على سبيل الامتنان : { إِنَّآ } من مقام عظم جودنا إياهم { أَنشَأْنَاهُنَّ } أي : أنشأنا لهم أزواجهم اللاتي كن في حجورهم في النشأة الأولى من صالحات النسوان والأعمال والأخلاق { إِنشَآءً } [ الواقعة : 35 ] بديعاً عجيباً . { فَجَعَلْنَاهُنَّ } فيها { أَبْكَاراً } [ الواقعة : 36 ] بحيث لم يمسهن بشر ، ولم يتصف بهن أحد . { عُرُباً } متحننات لأزواجهن { أَتْرَاباً } [ الواقعة : 37 ] مسويات السن مع أزواجهن في كمال سن الشباب . كل ذلك { لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ } [ الواقعة : 38 ] من الأبرار المحسنين بالأعمال والأخلاق ، المخلصين فيها . ومن هؤلاء في الجنات : { ثُلَّةٌ } جماعة عظيمة { مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } [ الواقعة : 39 ] أي : الأمم الماضين . { وَثُلَّةٌ } عظيمة أيضاً { مِّنَ ٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 40 ] أي : من أمة سيد المرسلين ؛ إذ طرق الأعمال والأخلاق مشتركة بين الأولين والآخرين ، بخلاف طرق الأحوال والمواجيد والمشارب والأذواق . { وَ } أمَّا { أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } والشآمة المتصفون بالشقاوة الأزلية ، المنهمكون بالقاذورات الإمكانية { مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } [ الوقعة : 41 ] وما حالهم الفضيحة هم مخلدون { فِي سَمُومٍ } نار حارة مسعرة في غاية الحرقة والحرارة ، بحيث تنفذ في مسامات أشباحهم كالريح السموم ؛ لنفوذ لوازم الإمكان النافذة من مسامات أصحاب الغفلة والضلال ، المنهمكين في اللذات والشهوات البهيمية الموهمة الموقعة لأنواع الفتن والطغيان { وَحَمِيمٍ } [ الواقعة : 42 ] أي : ماء متناهٍ في الحرارة بحيث يقطع أمعاءهم ، لو شربوا منه شربة بدل ما تلذذوا في النشأة الأولى بمقتضيات الأماني النفسانية والآمال الهيولانية الحاصلة من الجهل المفرط بسرائر التوحيد واليقين في النشأة الأولى . { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } [ الواقعة : 43 ] حاصل من دخان أسود صاد من نار الجحيم . { لاَّ بَارِدٍ } كسائر الأظلال { وَلاَ كَرِيمٍ } [ الواقعة : 44 ] نافع أمثالها . وبالجملة : { إِنَّهُمْ } من شدة سكرتهم وغفلتهم { كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ } في النشأة الأولى { مُتْرَفِينَ } [ الواقعة : 45 ] منهمكين في الضلال والشهوات . { وَكَانُواْ } حينئذ { يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 46 ] والذنب الكبير الذي هو الشرك بالله والإنكار لتوحيده . { وَ } من شدة إنكارهم بمقتضيات الوحي الإلهي المتعلق بقيام الساعة ووقوع الطامة الكبرى { كَانُواْ يِقُولُونَ } فيما بينهم على وجه الاستبعاد والاستنكار : { أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً } بالية { أَإِنَّا } بعد ذلك { لَمَبْعُوثُونَ } [ الواقعة : 47 ] مخرجون من قبورنا أحياء كما كنا . { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } [ الواقعة : 48 ] الأقدمون يخرجون من قبورهم ، مع أن بعثهم وإخراجهم أشد استحالة وامتناعا من بعثنا ! كلا وحاشا ؛ إذ لم يعهد فيما مضى من الأزمنة أمثال هذا ، بل ما هي إلا زيغ زائل ، وزور باطل . { قُلْ } يا أكمل الرسل بعدما بالغوا في الإنكار والعناد : { إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } [ الواقعة : 49 ] أي : الأسلاف والأخلاف { لَمَجْمُوعُونَ } مجتمعون بكمال قدرة الله وحكمته { إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } [ الواقعة : 50 ] أي : إلى وقت معين ، ويوم موعود معهود ، عينه الله سبحانه في حضرة علمه ولوح قضائه ، لا بدَّ وأن يقع في ذلك الوقت ألبتة ، بلا خلف .