Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 56, Ayat: 51-76)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ثُمَّ إِنَّكُمْ } بعد اجتماعكم وحشركم { أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } [ الواقعة : 51 ] المصرون على التكذيب والإنكار . { لأَكِلُونَ } من شدة جوعكم في جهنم البعد والخذلان بعد خلودكم فيها { مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } [ الواقعة : 52 ] أي : شجر مسمى بهذا الاسم ، فيكون لفظة " من " الثانية للبيان ، والأولى للابتداء . { فَمَالِئُونَ مِنْهَا } أي : من تلك الشجرة { ٱلْبُطُونَ } [ الواقعة : 53 ] أي : بطونكم ، مع أنه لا يدفع الجوع بل يزيده ، وبعد أكلكم منها ملء بطونكم . { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ } أي : على الزقوم { مِنَ ٱلْحَمِيمِ } [ الواقعة : 54 ] لشدة الحرقة وغلبة العطش ، وبالجملة : { فَشَارِبُونَ } من الحميم { شُرْبَ ٱلْهِيمِ } [ الواقعة : 55 ] مثل شرب الإبل ، الذي له داء الهيام ، وهو مرض من الإبل شبيه باستسقاء الإنسان . { هَـٰذَا } الذي سمعت أيها الفطن المعتبر { نُزُلُهُمْ } المعدة لهم حين نزولهم في جهنم { يَوْمَ ٱلدِّينِ } [ الواقعة : 56 ] والجزاء . وإذا كان نزلهم فيها هذا ، فما ظنك بعذابهم فيها ، وزجرهم بعد حساب أعمالهم . ثم خاطبهم سبحانه إظهاراً للاستيلاء التام والبسطة الغالبة الكاملة توبيخاً لهم وتقريعاً فقال : { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ } وأظهرناكم من كتم العدم بمقتضى حولنا وقوتنا { فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ } [ الواقعة : 57 ] بقدرتنا على الإعادة والبعث أيها الجاهلون المكابرون . { أَفَرَأَيْتُمْ } أخبروني أيها المنكرون للبعث والجزاء أن { مَّا تُمْنُونَ } [ الواقعة : 58 ] وتصبون في الأرحام من النطف ؟ . { ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ } وتجعلونه بشراً سوياً صالحاً لأنواع العلوم والإدراكات الكلية والجزئية { أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ } [ الواقعة : 59 ] المقصورون على الخلق والتسوية ؟ ! ومع شهود هذه المقدورات العجيبة البديعة ، كيف تنكرون قدرتنا على البعث والحشر . مع أنا { نَحْنُ } بمقتضى علمنا وقدرتنا { قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ } والأجل بأن عينَّا لموت كل أحد منكم وقتاً معيناً ، وأجلاً معهوداً ، بحيث لا يسع لكم وقت حلوله لا التقديم منه ، ولا التأخير { وَ } مع ذلك { مَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } [ الواقعة : 60 ] مغلوبين من أحد منكم أصلاً ، بأن يغلب علينا أحد بتقديم الأجل المعين المقدر من عندنا ، أو تأخيره . وإذا قدرنا على تقدير الأجل للموت على الوجه المذكور قدرنا أيضاً { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ } ونحيى { أَمْثَـٰلَكُمْ } أي : أسلافكم الذين ماتوا وانقرضوا أحياء أمثالكم من العدم ؛ يعني : كما قدرنا على إنشاءكم من العدم إنشاء إبداعياً قدرنا أيضاً على إحياء أسلافكم من القبور بعدما ماتوا على سبيل إعادة ، بل إعادة أهون من الإبداع { وَ } بالجملة : قدرنا على أن { نُنشِئَكُمْ } بعد موتكم فِي { فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الواقعة : 61 ] أي : في نشأة وعالم ، لا يحيطون به علماً ولا تفهمونه لخروجه عن طور عقولكم ومقتضاه . { وَ } كيف يتأتى لكم إنكار الإعادة مع أنكم { لَقَدْ عَلِمْتُمُ } جزمتم وأيقنتم { ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ } أي : قدرنا على الخلق والإيجاد فيها { فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ } [ الواقعة : 62 ] منها قدرتنا على الإعادة في النشأة الأخرى ، مع أن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة بالطريق الأولى . { أَفَرَأَيْتُم } أخبروني أيها المسرفون المفرطون أن { مَّا تَحْرُثُونَ } [ الواقعة : 63 ] أي : تبذرون وتطرحون حبة في التراب . { ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ } وتنبتونه { أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ } [ الواقعة : 64 ] المقصورون على الإنبات بالاستقلال والاختيار بلا مشاركة ومظاهرة . مع أنا { لَوْ نَشَآءُ } ونختار عدم إنباتها ونمائها { لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً } أي : الزرع الثابت حطاماً يابساً ، هباء هشيما { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } [ الواقعة : 65 ] أي : صرتم حينئذ تتعجبون وتتأسفون من يبسها وضياعها ، وليس لكم سوى الحسرة والأسف شيء ، بل تقولون حينئذ من شدة التضجر والتحزن . { إِنَّا لَمُغْرَمُونَ } [ الواقعة : 66 ] ملزمون بتضييع البذور وإهلاك النفقة . { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [ الواقعة : 67 ] حرمنا عن بذورنا وأعمالنا وريعنا بالكلية . { أَفَرَءَيْتُمُ ٱلْمَآءَ } العذاب القراح الفرات السائغ { ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ } [ الواقعة : 68 ] وتستروحون نفوسكم به ، وتبردون أكبادكم منه ؟ . { ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ } أي : السحاب الهامر الهاطل { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنزِلُونَ } [ الواقعة : 69 ] بكمال قوتنا وقدرتنا . مع أنا { لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ } أي : صيرناه وبدلناه { أُجَاجاً } مراً مالحاً { فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ } [ الواقعة : 70 ] وهلا تواظبون على أداء حقوق أمثال هذه النعم العظام أيها المجبولون على الكفران والنسيان . { أَفَرَأَيْتُمُ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي تُورُونَ } [ الواقعة : 71 ] تقدحون { أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ } أي : الشجرة التي يت خذ منها الزناد { أَمْ نَحْنُ ٱلْمُنشِئُونَ } [ الواقعة : 72 ] المستقلون بإنشائها . { نَحْنُ } اليوم { جَعَلْنَاهَا } أي : النار { تَذْكِرَةً } وتبصرة لأمر البعث والنشر وأنموذجاً من نار القطيعة الجهنمية وعظة للمتقين منها ؛ ليتزودوا بالتقوى ، ويتخلصوا من نيران الهوى ودركات اللظى { وَ } جعلناها أيضاً { مَتَاعاً } منفعة عظيمة { لِّلْمُقْوِينَ } [ الواقعة : 73 ] المنزلين في القفراء والبيداء جائعين ، خالية بطونهم عن الطعام ، فيطبخون بها ، ويشبعون فيها . وبالجملة : { فَسَبِّحْ } يا أكمل الرسل { بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [ الواقعة : 74 ] الذي هو أعز وأجل من أن يطرأ عليه شيء من النقائص ، أو يحوم حول حماء قدسه شائبة العظ والقصور ، وإذا كان شأن الحق هذا { فَلاَ } حاجة إلى القسم لإثبات عظمته سبحانه وجلالة قدره وقدرته ، بل { أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } [ الواقعة : 75 ] أي : بموارد وقوع نجوم القرآن ، ونزولها في قلوب الكمل من أرباب العزائم والعرفان . { وَإِنَّهُ } أي : القسم بالقرآن وموارده { لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ } وتعرفون قدره { عَظِيمٌ } [ الواقعة : 76 ] شأنه عال خطره رفيع قدره . وكيف لا يكون القرآن عظيم الشأن رفعي القدر والمكان ؟ !