Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 18-22)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اذكر لهم يا أكمل الرسل على سبيل التوبيخ والتقريع { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } القادر المقتدر على الإحياء والإماتة في الإبداء والإعادة { جَمِيعاً } مجتمعين ، فيعاتبهم بما صدر عنهم ، مثلما عاتبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { فَيَحْلِفُونَ لَهُ } أي : لله حينئذٍ على أنهم مسلمون مؤمنون { كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ } الآن أيها المؤمنون { وَيَحْسَبُونَ } حينئذٍ أيضاً { أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } نفع ودفع حاصل من حلفهم الكاذب ، فيخيلون أنهم يروجون بالحلف الكاذب ما يدعون من الكذب على الله ، كما يروجون عليكم اليوم ، ولم يعلموا أن الناقد حينئذٍ بصير ، والترويج إليه عيسر . { أَلاَ } تنبهوا أيها المؤمنون المخلصون { إِنَّهُمْ } أي : المنافقين { هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } [ المجادلة : 18 ] المقصورون على الكذب والزور ، والتلبيس والغرور . إذ { ٱسْتَحْوَذَ } أي : غلب واستولى { عَلَيْهِمُ ٱلشَّيْطَانُ } المضل المغوي { فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ ٱللَّهِ } المنقذ عن الضلال ، المرشد إلى الهداية ، وبالجملة : { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المطرودون { حِزْبُ الشَّيْطَانِ } أي : جنوده وأتباعه { أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ } [ المجادلة : 19 ] المقصورون على الخسران المؤبد ، والحرمان المخلد عن ربح المعرفة واليقين ؟ ! أعذانا الله وعموم عباده من متابعة الشيطان المضل المغوي . ثمَّ قال سبحانه : { إِنَّ } المفسدين المسرفين { الَّذِينَ يُحَآدُّونَ } ويعادون { ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } ويعادون ويتجاوزون عن الحدود الموضوعة في الشرع بالوضع الإلهي المنزل على رسوله بالوحي والإلهام { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء المجاوزون المعادون ، المعدودون { فِي } زمرة { ٱلأَذَلِّينَ } [ المجادلة : 20 ] أي : من جملة من أذله الله ، وختم على قلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، ولهم عذاب أليم . وكيف لا يعد المتجاوزين من الأذلين ؛ إذ { كَتَبَ ٱللَّهُ } العليم الحكيم ، وأثبت في لوح قضائه بقوله : { لأَغْلِبَنَّ } ألبتة { أَنَاْ وَ } عموم { رُسُلِيۤ } المرسلين من عندي بالحجج القاطعة ، والبراهين الساطعة على عموم المظاهر والمخلوقات ، وكيف لا يغلب سبحانه على مظاهره { إِنَّ ٱللَّهَ } المتردي برداء العظمة والكبرياء { قَوِيٌّ } في ذاته ، لا حول ولا قوة إلا بالله { عَزِيزٌ } [ المجادلة : 21 ] مقتدر غالب ، يغلب مطلقاً في عموم مراداته ومقدوراته ؟ ! ثمَّ قال سبحانه على سبيل العظة والتذكير بعموم المؤمنين : { لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المعدّ للحساب والجزاء { يُوَآدُّونَ } أي : لا تجدهم أن يوادوا وتحاببوا { مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ } وعاداه { وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ } أي : الحادون العادون المعاندون { آبَآءَهُمْ } أي : آباء المؤمنين { أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } وأقرباءهم ، وذووا أرحامهم { أُوْلَـٰئِكَ } المقبولون الممتنعون عن و ودادة أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم طلباً لمرضات الله ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم { كَتَبَ } أي : أثبت ومكن سبحانه { فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ } وجعله راسخاً فيها . { وَ } لذلك { أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ } فائض { مِّنْهُ } محيي لهم أبد الآباد ؛ إذ من يُحيى بالإيمان والعرفان فقد دامت حياته ، ولم يمت أبداً { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ } متنزهات العلم والعين والحق { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أي : أنهار المعارف والحقائق المترشحة من بحر الحياة الأزلي الأبدي الذي هو الوجود المطلق الإلهي { خَالِدِينَ فِيهَا } لا يتحولون عنها أصلاً ؛ إذ { رَضِيَ ٱللَّهُ } المتجلي عليهم بالرضا { عَنْهُمْ وَرَضُواْ } أيضاً { عَنْهُ } سبحانه بالتفويض والتسليم إليه { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون عند الله { حِزْبُ ٱللَّهِ } وحوامل آثار أوصافه وأسمائه الذاتية ، وقوابل عموم كلياته وشئونه وتطوراته { أَلاَ } أي : تنبهوا أيه الأظلال السمتظلون بضلاله الممدودة من أزل الذات إلى أبد الأسماء والصفات { إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ المجادلة : 22 ] الفائزون من لدنه بالفوز العظيم ، والفضل الجسيم ، والكرم العميم . خاتمة السورة عليك أيها الطالب المترقب للفلاح ، والفوز بالنجاح أن تتمكن في مقام التسليم والرضا بعموم ما جرى عليك من القضاء ، وتلازم على آداب الخدمة بين يدي الله في عموم أوقاتك وحالاتك ، فاغراً همَّك وسرك عن مطلق الوساوس والأشغال العائقة عن التوجه نحو المولى ، وتواظب على الطاعات والعبادات في خلال الخلوات ؛ لتكون مصونة عن السمعة والرياء ، والميل إلى العجب والهوى ، وإياك إياك أن تتلطخ بقاذورات الدنيا ومزخرفاتها الملهية عن اللذات الأخروية ، المستتبعة للسلاسل والأغلال الإمكانية ، والمبعدة عن الوصول إلى فضاء الوجوب وصفاء الوحدة الذاتية التي عبر بها عن النعيم الموعود ، والحوض المورود ، والمقام المحمود . جعلنا الله ممن وصل إليه ، وتمكن دونه بمنِّه وجوده .