Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 58, Ayat: 5-8)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثمَّ قال سبحانه على سبيل الوعيد والتهديد : { إِنَّ } المسرفين المفرطين { ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ } ويعادون { ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : يضعون حدوداً مخالفة لحدود الله ورسوله ، ويختارونها مراءً ومجادلةً ، ومعاداة مع الله ورسوله { كُبِتُواْ } أي : أكب وأحاط عليهم العذاب النازل من الله فهلكوا { كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } من كفار الأمم الماضية { وَ } كيف لا نهلكهم ولا نستأصلهم ؛ إذ { قَدْ أَنزَلْنَآ } لإصلاح أحوالهم وأخلاقهم ، وعموم أطوارهم { آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } واضحات مشتملات على حكم ومصالح لا تخفى فأبو عنها ، ولم يقبلوها ، بل كذبوها وأنكروا عليها ، وعلى من أُنزلت عليه عتواً وعناداً ؟ ! { وَ } بالجملة : { لِلْكَافِرِينَ } المستكبرين بما عندهم من الثروة والرئاسة { عَذَابٌ مُّهِينٌ } [ المجادلة : 5 ] بحيث يبدل عزهم ذلاً ، ونخوتهم لعنةً وطرداً . اذكر لهم يا أكمل الرسل { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } من قبورهم { جَمِيعاً } بحيث لا يشذ أحد منهم { فَيُنَبِّئُهُمْ } ويخبرهم { بِمَا عَمِلُوۤاْ } أي : بجميع أعمالهم تفضيحاً وتشهيراً لهم على رءوس الأشهاد ، بحيث { أَحْصَاهُ ٱللَّهُ } وفصله عليهم على وجه لا يغيب عن حيطة علمه وإحصائه سبحانه من عملهم { وَ } هم قد { نَسُوهُ } لكثرته أو تهاونهم عليه { وَ } كيف لا يحصي سبحانه عليهم أعمالهم ؛ إذ { ٱللَّهُ } بمقتضى ألوهيته ، وحيطة ظهوره { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } من مظاهره { شَهِيدٌ } [ المجادلة : 6 ] حاضر غير مغيب ؟ ! { أَ } تستبعد شهادته سبحانه ، وحضوره عند عموم مظاهره ومصنوعاته { لَمْ تَرَ } أيها المعتبر الرائي ، ولم تعلم { أَنَّ ٱللَّهَ } المحيط بالكل بالألوهية والظهور { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري عموم { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : الكائنات العلوية { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أي : الكائنات السفلية كلياها وجزئياتها ، محسوساتها ومعقولاتها ، بحيث { مَا يَكُونُ } ويقع { مِن نَّجْوَىٰ } وسر معهود بين { ثَلاَثَةٍ } يسرون بها ويضمرونها في نفوسهم { إِلاَّ هُوَ } سبحانه { رَابِعُهُمْ } بل هو أعلم منهم بنجواهم ، وأعرف بما في ضمائرهم منهم ، بل هو العالم حقيقة { وَلاَ خَمْسَةٍ } أي : وكذا لا يقع نجوى بين خمسة مكنونة في ضمائرهم ، مصونة عن غيرهم { إِلاَّ هُوَ } سبحانه { سَادِسُهُمْ } بل علمه بها أتم وأكمل من عملهم . { وَ } بالجملة : { لاَ } يقع { أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ } الجمع { وَلاَ أَكْثَرَ } منه { إِلاَّ هُوَ } سبحانه { مَعَهُمْ } بل العالم العارف هو سبحانه بذاته ووحدته ، إلاَّ أنه ظهر في أشباحهم ، وهو يأتيهم لا على سبيل المقارنة الذاتية والزمانية ، ولا على سبيل الحلول والإتحاد ، بل على طريق معية الظل مع ذي الظل ، ومعية الأمواج مع الماء ، والصور مع ذي الصورة ، ولا يقيد أيضاً معيته بالمكان ، بل { أَيْنَ مَا كَانُواْ } كان معهم ؛ لاستواء عموم الأمكنة دونه سبحانه ، وتنزهه عن المكان مطلقاً . وبالجملة : يعلم سبحانه منهم جميع ما صدر عنهم ، لكن لم يطلعهم بعلمه إياهم ؛ لئلا يبطل حكمة التكاليف الواقعة منه سبحانه بالنسبة إلى عموم عباده { ثُمَّ } بعد انقضاء أوان التكليف ، وانقراض نشأة الاختبار { يُنَبِّئُهُم } سبحانه { بِمَا عَمِلُواْ } أي : يخبرهم بجميع أعمالهم { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المعدة ؛ لتنقيد الأعمال وترتب الجزاء ، الموعودة عليها تفضيحاً لهم ، وتقريراً لما يستحق ويليق بهم من العذاب والنكال ؛ لئلا يكون لهم على الله حجة ، ولا ينسبوه إلى الظلم ؛ إذ الإنسان جبل أكثر شيء جدلاً ، وبالجملة : { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على عموم ما كان ويكون ، غيباً وشهادةً ، ظاهراً وباطناً { بِكُلِّ شَيْءٍ } لمع عليه برق الوجود { عَلِيمٌ } [ المجادلة : 7 ] بعلمه الحضوري ، لا يعزب عن حيطة علمه شيء . ثمَّ قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع للمنافقين : { أَلَمْ تَرَ } أيها الرائي { إِلَى } المنافقين { ٱلَّذِينَ نُهُواْ } ومنعوا { عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ } والتغامز فيما بينهم بالعيون والحواجب ، حين جلسوا في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين فمنعهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } إصراراً ومكابرةً { وَ } هم حينئذٍ { يَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ } الموجب للحد الشرعي ، أو ظهروا به وأفشوه { وَٱلْعُدْوَانِ } عن الأوضاع الشرعية { وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ } وتكذيبه ، والإعراض عنه وعن دينه مهما أمكن لهم . { وَ } بالجملة : هم من جملة شكيمتهم وغيظهم : { إِذَا جَآءُوكَ } يا أكمل الرسل { حَيَّوْكَ } على وجه النفاق { بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ } فيقولون : السام عليك ، أو انعم صباحاً ، مع أن الله سبحانه يقول : { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ } [ النمل : 59 ] { وَ } بعدما حيوك على مقتضى أهويتهم ، وقصدوا مقتك في تحيتهم { يَقُولُونَ } حينئذٍ { فِيۤ أَنفُسِهِمْ } ونجواهم : { لَوْلاَ } أي : هلاَّ { يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ } لو كان محمد نبياً ؟ ! فظهر من عدم تعذيب الله إيانا أنه ليس بنبي ، قيل لهم حينئذٍ من قِبَل الحق : { حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ } عذاباً { يَصْلَوْنَهَا } ويدخلونها { فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ المجادلة : 8 ] مصيرهم جنهم .