Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 1-4)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَبَّحَ لِلَّهِ } ونزَّهه تنزيهاً لائقاً بجانبه سبحانه مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَ } كيف لا { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } بذته ، المتعزز برداء العظمة والكبرياء { ٱلْحَكِيمُ } [ الحشر : 1 ] المتقن المدبِّر لمصالح عباده كيف شاء ؟ ! . وبالجملة : { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ } بمقتضى عزته وحكمته المسرفين { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله وبرسوله ، وهو إجلاء بني النضير ، مع أنهم { مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ } المألوفة ، وأوطانهم المأنوسة زجراً عليهم ، وتذليلاً له واقعاً إياهم { لأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ } أي : في أول الحشر ، إجلائهم الواقع عليهم بظهر الإسلام ؛ إذ أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير أولاً من المدنية إلى الشام ، ثمَّ أجلى بقية الكفرة عمرُ رضي الله عنه في خلافته ، انظروا كيف أخرجهم سبحانه بكمال قدرته وعزته ، مع أنكم { مَا ظَنَنتُمْ } أيها المؤمنون من { أَن يَخْرُجُواْ } لشدتهم وشوكتهم ، واستحكام آماكنهم وقلاعهم { وَ } هم أيضاً { ظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم } أي : ظنهم لأنفسهم أن حصونهم تمنعهم { مِّنَ } بأس { ٱللَّهِ } المنتقم الغيور وبشطه وإن اشتد ، لكن لم ينفعهم الحصون والقلاع حين نزول العذاب ، بل { فَأَتَاهُمُ ٱللَّهُ } أي : القهر الهائل من لدنه { مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ } أي : من صوب وجهة لم يتوقعوا . { وَ } ذلك أنه { قَذَفَ } وألقى سبحانه { فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } الشديد ، والخوف العظيم من غير قتال ، وبسبب ذلك الرعب الهائل اخذوا { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ } ضناً بها على المسلمين ، وإخراج ما فيها من الأمتعة { وَأَيْدِي ٱلْمُؤْمِنِينَ } أيضاً ، فإنهم أيضاً كانوا يخرجون بيوتهم إذلالاً لهم ، وتوسيعاً لمضمار الحرب والقتال ، وبالجملة : { فَٱعْتَبِرُواْ يٰأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ } [ الحشر : 2 ] واتعظوا بما جرى على هؤلاء الغواة الطغاة ، يثقون بحصونهم ويشيدونها ؛ ليتحصنوا بها من بأس الله ، ثمَّ لما اضطروا أخذوا يخبرون بأيديهم ما يعتمدون عليه ، ويستحفظون به ؛ وذلك كمال قدرته الله ومتانة حكمته . { وَ } بالجملة : { لَوْلاَ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ } المصلح لأمور دنياهم ، ولم يفترض { عَلَيْهِمُ ٱلْجَلاَءَ } ولم يخرجهم من أوطانهم { لَعَذَّبَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا } بالقتل والأسر ، وأنواع الإذلال والصغار ، كما جرى على الكفرة المتمكنين في أمكانهم بعدهم { وَ } مع ذلك الإصلاح والكرامة لهم في الدنيا { لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ } [ الحشر : 3 ] بواسطة إصرارهم على الكفر ، وإنكارهم على الإسلام . { ذَلِكَ } الإذلال والصغار لهم في الدنيا والآخرة { بِأَنَّهُمْ } أي : بسبب أنهم { شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بمخالفة أمرهما ، والخروج عن حكمهما { وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ } يعاقبه ألبتة { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المنتقم الغيور { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الحشر : 4 ] صعب الانتقام ، أليم العذاب على عصاة عباده إرادةً واختياراً . ثمَّ لمَّا توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير حين نقضوا العهد الذي عهدوا مع الله ورسوله ، تحصنوا بحصونهم وامتنعوا عن الإسلام ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخلهم وحرق بساتينهم ، قالوا : يا محمد كنت تنهى عن الفساد في الأرض ، فما بال قطع النخل وحرقها ؟ !