Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 1-5)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَبَّحَ لِلَّهِ } ونزهه بكمال التقديس والتنزيه جميع { مَا } ظهر { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : العلويات { وَمَا } ظهر { فِي ٱلأَرْضِ } أي : السفليات { وَ } كيف لا يتوجه نحوه عموم الموجودات ؛ إذ { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب على مطلق المقدورات والمرادات { ٱلْحَكِيمُ } [ الصف : 1 ] المقتن في جميع التدبيرات والتقديرات ؟ ! ثمَّ لمَّا عاهد المسلمون مع الله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : لو علمنا أحب الأعمال إلى الله لبذلنا فيه أموالنا وأنفسنا ، فنزل : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ } [ الصف : 4 ] ، فولوا يوم أُحد منهزمين ، ولم يوفوا بعهدهم ، فنزلت : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم : الوفاء بالعهد { لِمَ تَقُولُونَ } وقت المعاهدة والميثاق مع الله { مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 2 ] ولا توفون وقت الوفاء . واعلموا أيها المؤمنون أنه { كَبُرَ مَقْتاً } وعظم جريمة وذنباً { عِندَ ٱللَّهِ } المنتقم الغيور { أَن تَقُولُواْ } وتعاهدوا معه سبحانه { مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 3 ] وقت الوفاء ، ولا تنجزوا المعهود الموعود . { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ } لترويج دينه ، وإعلاء كلمة توحيده { صَفّاً } مصطفين مظاهرين ، متعاونين { كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ } [ الصف : 4 ] منمضد محكم ، مضمم بعضها مع بعض بحيث لا فرج فيها ولا شقوق . ثمَّ اعلموا أن عدم وفائكم بالعهود لا ينقص شيئاً من عظمته ، كما أن وفائكم لا تزيد فيها ، لكن نقضكم الميثاق يؤذي النبي ، وإيذاء النبي مستلزم لإيذاء الله وبغضه ، وإرادته المقت والغضب على المؤذي { وَ } اذكر يا أكمل الرسل للمناقضين قصة تأذي أخيك موسى الكليم - صلوات الله عليه - من قومه وقت { إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } حين رموه بالبغية ، وعيروه بالأدرة : { يٰقَوْمِ } ناداهم وأضافهم إلى نفسه على مقتضى ملاينة أرباب الرسالة مع أممهم ؛ لينزجروا عن سوء الأدب { لِمَ تُؤْذُونَنِي } بأمثال هذه المفتريات الباطلة البعيدة بمراحل عن الصدق { وَ } الحال أنكم { قَد تَّعْلَمُونَ } يقيناً بما جئت لكم من المعجزات الساطعة ، الدالة على صدقي في دعواي { أَنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ } المرسل من عنده بمقتضى وحيه { إِلَيْكُمْ } لإرشادكم إلى سبيل الهداية الموصلة إلى معرفة الحق وتوحيده ، ومقتضى علمكم : ألاَّ تؤذوني ، فلم تؤذونيي ؟ ! { فَلَمَّا زَاغُوۤاْ } ومالوا عن الحق ، وانحرفوا عن مقتضى الفطرة الأصلية الإلهية { أَزَاغَ ٱللَّهُ } المقلب للقلوب { قُلُوبَهُمْ } وصرفها عن قبول الحق والميل إليه فضلوا عن سواء السبيل ، واستحقوا الويل العظيم ، والعذاب الأليم { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } العليم الحكيم { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ الصف : 5 ] الخارجين عن مقتضى الفطرة الأصلية التي هي الهداية الموصلة إلى معرفة الحق وتوحيده .