Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 6-9)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَ } اذكر لهم يا أكمل الرسل أيضً وقت { إِذْ قَالَ } أخوك { عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } منادياً لقومه { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم } أرسلني ؛ لإرشادكم إلى طريق الحق وصراط توحيده ؛ لأكون { مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } المنزلة من عنده سبحانه ؛ لضبط ظواهر الأحكام والأخلاق المستتبعة لتهذيب الباطن عن مطلق الزيغ والضلال ، المنافية لصفاء مشرب التوحيد { وَمُبَشِّراً } أيضاً ، أبشركم { بِرَسُولٍ } كامل في الرسالة ، متمم لمكارم الأخلاق { يَأْتِي مِن بَعْدِي } مظهر لتوحيد الذات ، خاتم لأمر الرسالة والتشريع { ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } سُمِّي به صلى الله عليه وسلم ؛ لكون حمده أتم وأشمل من حمد سائر الأنبياء والرسل ؛ إذ محامدهم لله إنما هو بمقتضى توحيد الصفات والأفعال ، وحمده صلى الله عليه وسلم بحسب توحيد الذات المستوعب لتوحيد الأفعال والصفات . وبعدما أظهر عيسى - صلوات الله عليه - دعوته طالبوه بالبينة الدالة على صدقه { فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } الواضحات ، والمعجزات الساطعات التي هي أكثر من معجزات موسى ؛ وبعدما رأوا منه ما رأوا من الخوارق التي ما ظهر مثلها من الأنبياء بادروا إلى تكذيبه مكابرةً وعناداً ، حيث { قَالُواْ هَـٰذَا } أي : عيسى عليه السلام ، أو ما جاء به من المعجزات { سِحْرٌ مُّبِينٌ } [ الصف : 6 ] ظاهر كونه سحراً ، أو كماله في السحر إلى حيث كأنه تجسم منه ، وليس تكذيبهم إياه - صلوات الله عليه - بعد وضوح البرهان ، ونسبته إلى شيء لا يليق بشأنه إلاَّ خروج عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة ؛ لأداء حقوق العبودية . { وَمَنْ أَظْلَمُ } وأشد خروجاً عن مقتضى الحدود الإلهية { مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ } الحكيم المتقن في أفعاله { ٱلْكَذِبَ } ونسب ما أنزله سبحانه من المعجزات الدالة على صدق رسوله المؤيد من عنده بالنفس القدسية ، والمبعوث إلى الناس ؛ ليرشدهم إلى طريق توحيده { وَ } الحال أنه { هُوَ } أي : المفتري الظالم { يُدْعَىٰ إِلَى ٱلإِسْلاَمِ } المتقدس عن جميع الآثام لو قَبِلَه وصدَّقه ، وامتثل بما فيه من الأوامر والنواهي ، وهو من غاية عتوه وعناده في موضع الإجابة والقبول يرده ويكذبه ، ونيسب معجزات الداعي إلى السحر والشعبذة مراءً وافتراءً { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المطلع على ما في استعدادات عباده { لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الصف : 7 ] الخارجين عن مقتضى الفطرة الأصلية الإلهية التي فطر الناس عليها ، ذلك الدين القيم ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ؛ لذلك يخرجون . وليس غرضهم من هذا الافتراء والتكذيب بعد وضوح ظهور الحجج الواضحة ، والبراهين الساطعة إلاَّ أنهم { يُرِيدُونَ } بفتنتهم هذه { لِيُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد ، المتشعشع من مطالع عموم الكائنات ، ومشارق جميع الذرات ، ألا وهو دين الإسلام المنزل على خير الأنام ؛ لتبيين توحيد الذات { بِأَفْوَٰهِهِمْ } أي : بمرجد قولهم الباطل ، الزاهق الزائل بلا مستند عقلي أو نقلي ، فكيف عن كشفي وشهودي { وَٱللَّهُ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { مُتِمُّ نُورِهِ } مبالغ في إشاعته وإشراقه غايتها { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ } [ الصف : 8 ] ظهوره وشيوعه إرغاماً لهم وإذلالاً ؟ ! وكيف لا يتم سبحانه شيوع نور وحدته الذاتية { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ } محمداً صلى الله عليه وسلم ولمصلحة هذا التتميم والتكميل ، وأيده { بِٱلْهُدَىٰ } والقرآن العظيم { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } والملة الحنيفية السمحة البيضاء المورودة له من جده إبراهيم { لِيُظْهِرَهُ } ويغلبه ؛ أي : الدين القويم ، المبين لصراط الحق وطرق توحيده الذاتي { عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ } أي : على عموم الملل والأديان الواردة ؛ لبيان توحيد الصفات والأفعال { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ } [ الصف : 9 ] ظهور توحيد الحق ؛ لما فيه من طقع عرق الشرك جلياً كان أو خفياً ؟ !