Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 1-5)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لذلك { يُسَبِّحُ } ويقدس { لِلَّهِ } الواحد الأحد ، المنزَّه عن مطلق التحديد مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } تسبيحاً وتقديساً ، مقروناً بكمال التذلل والخضوع إلى الملك { ٱلْمَلِكِ } المتسلط بالاستيلاء التام ، والسلطنة القاهرة الغالبة على مملكة الوجود { ٱلْقُدُّوسِ } المنزَّه الطاهر ذاته عن سمة الحدوث ، ووصمة الإمكان { ٱلْعَزِيزِ } الغالب على عموم المقدورات بكمال الاستيلاء والاستقلال { ٱلْحَكِيمِ } [ الجمعة : 1 ] المقتن في مطلق التدابير الجارية في عالم التصاوير بلا فتور وقصور . { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ } بمقتضى كمال قدرته وحكمته { فِي ٱلأُمِّيِّينَ } المنسلخين عن مطلق الإملاء والإنشاء المشعر بالتدبر والتفكر بمقتضى العقل الفطري الموهب لهم من حضرة العليم الحكيم { رَسُولاً } أمياً أمثالهم ، ناشئاً { مِّنْهُمْ } وأيده بروح القدس بعدما أصفاه من دنس الجهل ، واصطفاه من بين الملل ، وفضَّله على جميع أرباب النحل ، وجعله في كمال المعارف والحقائق الإلهية ، بحيث { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ } عموم { آيَاتِهِ } الدالة على وحدة ذاته ، وعلى كمال أسمائه وصفاته { وَيُزَكِّيهِمْ } عن مطلق النقائض والآثام المنافية لدين الإسلام ، المبين للتوحيد الذاتي . { وَ } بالجملة : { يُعَلِّمُهُمُ } بمقتضى الوحي الإلهي { ٱلْكِتَابَ } أي : القرآن الجامع لما في الكتب السالفة من الحكم والأحكام على أبلغ بيان ، وأبدع نظام { وَٱلْحِكْمَةَ } أي : الأحكام الشرعية المنزلة من عند العليم الحكيم العلاَّم { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ } أي : وإنهم كانوا قبل بعثته صلى الله عليه وسلم { لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ الجمعة : 2 ] وغواية ظاهرة ؛ لأنهم كانوا على فترة من الرسل . { وَ } لم يختص بعثته صلى الله عليه وسلم بالأميين من الأعراب الموجودين عند بعثته صلى الله عليه وسلم بل يعم { آخَرِينَ مِنْهُمْ } أي : من عموم المكلفين { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } أي : حين يتبعوا بالأولين إلى يوم القيامة ؛ إذ خُتم ببعثته صلى الله عليه وسلم أمر البعثة ، وكمل عند ظهوره صلى الله عليه وسلم بنيان الدين القويم الذي هو صراط التوحيد الذاتي { وَهُوَ } سبحانه { ٱلْعَزِيزُ } الغالب على عموم التقادير { ٱلْحَكِيمُ } [ الجمعة : 3 ] المطلق في جميع الأفعال والتدابير . { ذَلِكَ } أي : التوحيد الذايت الذي ظهر به صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين { فَضْلُ ٱللَّهِ } العزيز الحكيم { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } من عباده بلا سبق الوسائل والأسباب العادية { وَٱللَّهُ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [ الجمعة : 4 ] الذي لا يُكتنه وصف فضله وطوله أصلاً . ثمَّ قال سبحانه تعريضاً على الكفرة المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، مع أنه قد ورد في كتبهم المنزلة عليهم بعثته وحليته صلى الله عليه وسلم ، وهم مؤمنون بها ، مصدقون بجميع ما فيها سوى بعثته صلى الله عليه وسلم ، وما جاء فيها من أوصافه صلى الله عليه وسلم الدالة على علو شأنه ، ورفعة قدره ومكانه ، وبالجملة : { مَثَلُ } القوم { ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ } أي : علموها وكلِّفوا بما فيها من الأوامر والنواهي ، ومطلق الأحكام { ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } ولم ينتفعوا ، ولم يصدقوا بما فيها ، سيما نعوت الحضرة الختمية المحمدية صلى الله عليه وسلم ، مثلهم في حمل التوراة عليهم ، وتكليفاً لهم { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } كتباً من العلم يحمل عليه ، ويتعب بثقلها ، ولا ينتفع بها { بِئْسَ } المثل { مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على عظمة ذاته ، ومتانة حكمه وحكمته في عموم مأموراته ومنهياته { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } العليم الحكيم ، المتقن في أفعاله { لاَ يَهْدِي } إلى توحيد { ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الجمعة : 5 ] الخارجين عن مقتضى عبوديته بمتابعة شياطين أمّاراتهم بسوء .