Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 6-11)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ } يا أكمل الرسل على سبيل التبكيت والإلزام نيابةً عنَّا لليهود الذين يدّعون محبة الله وولايته بقولهم : نحن أولياء الله وأحباؤه منادياً لهم ، متهكماً معهم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ } وتهودوا { إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ } املقرب لكم إلى الله ؛ إذ الانتقال من دار الغرور إلى دار السرور تقربكم إلى الرحيم الغفور { إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الجمعة : 6 ] في دعوى المحبة والولاء ، فمتنوه . { وَ } الله يا أكمل الرسل { لاَ يَتَمَنَّونَهُ } أي : لا يتمنى أحد منهم الموت أصلاً { أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ } أي : بسبب ما قدموا ، واقترفوا بأنفسهم من الكفر والعصيان ، وأنواع الفسوق والطغيان { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المطلع بعموم ما في استعدادات عباده { عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } [ الجمعة : 7 ] وبما في ضمائرهم من المحبة والقساوة ، يجازيهم على مقتضى علمه . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما أعرضوا عن تمني الموت وابتغائه طلباً لمرضاة الله ، وشوقاً إليه أيضاً على وجه التبكيت والإلزام : { إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ } وتخافون أن تمنوه بلسانكم مخالفة أنه لا يلحقكم ، بل تفرون عن مجرد التلفظ به ، فكيف عن لحوقه { فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ } ملاصقكم ، ولاحق بكم حتماً ؛ إذ كل نفس ذائقة كأس لموت ، ولك حي لا بدَّ وأن يموت سوى الحي الذي لا يموت ، ولا يفوت { ثُمَّ } بعدما تموتون { تُرَدُّونَ } وتُحشرون نحو المحشر ، وتعرضون { إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } بعلمه الحضوري { فَيُنَبِّئُكُم } ويخبركم حينئذٍ { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الجمعة : 8 ] من خير وشر ، فيجازيكم عليهما . ثمَّ لمَّا تهاون المسلمون في أمر الجمعة ، وتكاسلوا في الاجمتاع قبل الصلاة ، بل انفضوا وصرفوا عن الجامع حين خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين سمعوا صداء الملاهي المعهودة لمجيء العير على ما هو عادتهم دائماً ، عاتبهم الله سبحانه ، وأنزل عليهم الآية : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } مقتضى إيمانكم : المبادرة إلى مطلق الطاعات ، سيما { إِذَا نُودِيَ } وأُذن { لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ } أي : في يوم الجمعة ، وهو الأذان المعهود قبيل الجمعة { فَٱسْعَوْاْ } مسرعين مجيبين { إِلَىٰ } سماع { ذِكْرِ ٱللَّهِ } في الخطبة والتذكيرات الواردة فيها { وَذَرُواْ } واتركوا { ٱلْبَيْعَ } بعد سماع الأذان { ذَلِكُمْ } أي : ترك البيع والانصراف نحو المسجد { خَيْرٌ لَّكُمْ } وأنفع في عقابكم { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الجمعة : 9 ] صلاحكم وإفسادكم في أولاكم وأخراكم . { فَإِذَا قُضِيَتِ } وأُديت { ٱلصَّلاَةُ } المكتوبة لكم يوم الجمعة مع الإمام { فَٱنتَشِرُواْ فِي } أقطار { ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ } واطلبوا حوائجكم { مِن فَضْلِ ٱللَّهِ } وإحسانه ، وسعة جوده وإنعامه { وَ } بالجملة : { ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } المنعم المفضل عليكم { كَثِيراً } في عموم أحوالكم وأعمالكم ، ولا تحصروا ولا تقصروا ذكره في الصلوات المفروضة فقط ، بل اشتغلوا بذكره في عموم الأوقات والحالات ، بالقلب واللسان ، وسائر الجوارح والأركان ؛ إذ ما من شيء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا يفقهون تسبيحهم إلاَّ قليلاً ، وواظبوا عليه { لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الجمعة : 10 ] وتفوزون بخير الدارين . { وَ } هم من غاية حرصهم على مقتضيات القوى البهيمية بعدما كانوا في الجامع عند سماع الخطبة { إِذَا رَأَوْاْ } وسمعوا { تِجَارَةً } حاضرة تدبير الناس حولها { أَوْ لَهْواً } طبلاً مخبراً لهم على مجيئ العير { ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } أي : مالوا وتحركوا نحوها مسرعين ، فخرجوا من الجامع سوى اثني عشر من الرجال والنساء { وَتَرَكُوكَ } يا أكمل الرسل { قَآئِماً } على المنبر ، وما هي إلا ثلمة ظهرت في الدين المستبين ، موجبة مقتضية للتهاون بأحكام الشرع المتين ، حدثت فيما بينهم . { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل إزاحةً لها ، وإزالةً لما يتفرع عليها : { مَا عِندَ ٱللَّهِ } من المثوبات الأخروية الموجبة للدرجات العليَّة ، والمقامات السنيَّة { خَيْرٌ } لكم وأصلح بحالكم ، وأعظم نفعاً ، وأبقى فائدة { مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ } إذ لا نفع لها عند أهل الحق وإن فرض ، فهو متناه زائل عن قريب ، بخلاف الكرامة الأخروية فإنها تدوم أبداً { وَ } إن عللوا انفضاضهم بتحصيل الرزق الصوري قل لهم يا أكمل الرسل : { ٱللَّهُ } المظهر لكم من كتم العدم ، المدبر المربي لأشباحكم بما ليس في وسعكم { خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } [ الجمعة : 11 ] يرزقكم من حيث لا تحستبون إن توكلتم عليه مخلصين ، وفوضتم أموركم إليه سبحانه واثقين بكرمه العميم ، وجوده العظيم . خاتمة السورة عليك أيها الموحد الخائض لجج بحر الوجود ، المتحقق بمقام الكشف والشهود - مكنك الله في مقر عز الوحدة ، وجنبك عن الزيغ والضلال - أن تتوكل على الله ، وتتخذه وكيلاً ، وتفوض أمورك كلها إليه ، وتجعله كفيلاً ، فعليك ألاَّ تشتغل عن الله في آن وشأن ، ولا تغفل عنه في حين من الأحيان ، سيما في أمر الرزق الصوري الضروري ، المقدر عند الله المدبر الحكيم لكل من دخل في حيطة الوجود ، وظهر على صورة الموجود ، فإنه يصل على من يصل حسب إرادة الله ومشيئته . وإياك إياك أن تطلبه بالتجارة والسؤال ، بل لك أن تستعمل آلاتك الموهبة لك من عند العليم الحكيم إلى ما جُلبت لأجله ؛ لتكون من زمرة الشاكرين المتوكلين . وبالجملة : الرزق على الله ، ولا تكن من القانطين ، واعبد ربك ، واشكر على آلائه ونعمائه { حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] . ربنا اجعلنا بلطفك من زمرة الشاكرين ، آمين .