Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 8-11)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومن نهاية غافلتهم عن الله ، وعداوتهم مع المؤمنين : { يَقُولُونَ } على سبيل التهور والتهديد : { لَئِن رَّجَعْنَآ } عن سفرنا هذا { إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ } يريدون أنفسهم { مِنْهَا } أي : من المدينة { ٱلأَذَلَّ } يريدون المؤمنين ، وذلك أن أعرابياً من المهاجرين نازع أنصارياً في بعض الغزوات على ماء فضرب الأعرابي رأسه بخشبة ، فشكا إلى بان أُبي وملئه ، فقالوا : لا تنفقوا على من عند رسو الله حتى ينفضروا ، وإذا { رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } [ المنافقون : 8 ] ، { وَ } لم يعلموا أولئك الغواة الضالون في تيه العتو والعناد أنه { لِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ } أي : القوة والغلبة أصالةً { وَلِرَسُولِهِ } تبعاً { وَلِلْمُؤْمِنِينَ } بمتابعة الرسول { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ المنافقون : 8 ] عزة الله وعزة أهل الله ؛ لفرط جهلهم وغرورهم بأموالهم وأولادهم ؛ لذلك يحصرون العزة والقوة بأنفسهم . ثمَّ قال سبحانه تسليةً للمؤمنين مشتملة على نوع من التعريض ، والحث والترغيب : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم : ألاَّ تلتفتوا لعزة الدنيا ، ولا تغتروا بكثرة الأموال والأولاد فيها ؛ حتى { لاَ تُلْهِكُمْ } ولا تشغلكم { أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } وعن التوجه نحوه ، والركون إليه في مطلق الأحوال { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ } والتفت إلى مزخرفات الدنيا ، وشغل بها عن الله { فَأُوْلَـٰئِكَ } البعداء المشغولون بالخسيس الأدنى عن الشريف الأعلى { هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [ المنافقون : 9 ] المقصورون على الخسران الكلي ؛ لاستبدالهم الباقي بالفاني ، والزاهق الزائل بالقهَّار القديم . { وَ } بعدما سمعتم مآل أموالكم إلى ما يتفرع عليها من الحرمان والخسران { أَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ } وسقنا نحوكم من أموال الدنيا { مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } يعني : أنفقوا قبل حلول الأجل ، وظهور أمارات الموت ، وعلامات الفزع { فَيَقُولَ } المحتضر منكم حينئذٍ متحسراً : { رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ } أي : هلاَّ أمهلتني يا رب { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } وأمد غير بعيد { فَأَصَّدَّقَ } وأتصدق من مالي هذا على الوجه المأمور طلباً لمرضاتك { وَ } بعد التصدق { أَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ المنافقون : 10 ] المنفقين ، الممتثلين لأمرك ، المقبولين عندك . { وَ } اعلموا أيها المؤمنون يقيناً أنه { لَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً } ولن يمهلها أبداً { إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ } وحل ما قدر لها ؛ لرد الأمانة فيه من الزمان والآن ، وكذا لن يقدمها عليه أصلاً ، فعليكم التدارك والتلافي قبل حلول الأجل { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المراقب عليكم في عموم أحوالكم { خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ المنافقون : 11 ] في أيام حياتكم من خير وشر ، فيجازيكم على مقتضى خبرته بلا فوت شيء من عملكم خيراً كان أو شراً . خاتمة السورة عليك أيها المحمدي المنكشف برجوع العكوس والأظلال إلى ما منه بدت وظهرت ، ألاَّ وهي شمس الوحدة الذاتية أن تعرف أن إظهار المعارف المظاهر ، وبسط الظل عليها ، وامتداده إياها إنما هي بغتة بلا سبق مادة ومدة ، وآلة ومقدمة ، كذلك القبض والإخفاء إنما يكون كذلك ، فلك ، تكون في مدة ظهورك على ذكر من ربك ، بحيث لا يشغلك عنه شيء ساعة ، ولا تغفل عنه وعن التوجه نحوه لحظة وطرفة ، فإنك ما تدري متى يحل الأجل ؟ فإذا حل لا يمكنك التدارك والتلافي . جعلنا الله من زمرة المستيقظين في عموم الأحوال .