Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 14-18)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } وأيقنوا وحدة الحق واستقلاله في الوجود { إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ } يشغلونكم عن طاعة الله ، وعن التوجه نحوه ، والتوكل عليه بالتقريع والتشنيع ، ويردونكم في أمر المعاش وتحصيله إلى المعاطب والمهالك ؛ حتى تسألوا من كل غني غبي ، وشحيح دني ، فتسترزقون منهم ، وترزقون لهم ، ولا تثقون بالله ، ولا تعتمدون عليه في كفالته وترزيقه فتزل ثقتكم عن خالقكم ورازقكم ، وتزل قدمكم عن التثبت في صراط التوكل والتفويض . وبالجملة : { فَٱحْذَرُوهُمْ } أي : عن الأولاد والأزواج ، ولا تأمنوا من مكرهم وغوائلهم { وَإِن تَعْفُواْ } عن جرائمهم وتشنيعاتهم ، وتوصلوهم إلى ما أملوا وترقبوا منكم { وَتَصْفَحُواْ } أي : تعرضوا عن إعراضهم ، وعدم الالتفات إلى حالهم { وَتَغْفِرُواْ } أي : تمحو وتستروا ما صدر عنهم من التشنيع والتقريع ، فتشتغلوا إلى إنجاح أغراضهم وإيجاد آمانيهم بعدما وفقكم الحق عليها { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المطلع على ما في ضمائرهم من مراعاة جانب الأولاد والأزواج { غَفُورٌ } لذنوبكم التي صدرت عنكم في أمر المعاش إن كانت برخصة شرعية { رَّحِيمٌ } [ التغابن : 14 ] يرحمكم ويمحو زلتكم إن كان سعيكم ؛ لتحصيل مقدار الكفاف والكفاية والقناعة ، لا للفضول منها . وبالجملة : { إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } عظيمة ، واختبار شديد لكم ، فعليكم ألاَّ تغتروا بهما فإنهما من شباك الشياطين وحبالهم ، يريدون أن يصدوكم عن سبيل الله بتزيينهما إليكم ، وتحبيبهما في قلوبكم ؛ لتشتغلوا بهما عن الله فتحطوا عن زمرة المخلصين { وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ التغابن : 15 ] للمخلصين المجتنبين عن الالتفات إلى الغير مطلقاً . وبالجملة : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } واجعلوه وقاية لنفوسكم من تغرير الشيطان وفتنته { وَٱسْمَعُواْ } قول الله بسمع الرضا والقبول { وَأَطِيعُواْ } أمره ونهيه ، ولا تخرجوا عن مقتضى حكمه وأحكامه مطلقاً { وَأَنْفِقُواْ } مما رزقكم الله ، واستخلفكم عليه امتثالاً لأمره ، وطلباً لمرضاته ، وافعلوا جميع ما أمركم الحق ، سيما الإيثار والإنفاق ؛ ليكون امتثالكم وإنفاقكم { خَيْراً لأَنفُسِكُمْ } في أولاكم ، وذخراً لكم في أخراكم ، ومن معظم فوائد الإنفاق : صون النفس عن الشح المطاع { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ } بالبذل والإنفاق { فَأُوْلَـٰئِكَ } السعداء المتصفون بالكرم والسخاء { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ التغابن : 16 ] الفائزون من الله بالمثوبة العظمة ، والدرجة العليا . وبالجملة : { إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ } المنعم المتفضل أيها المنفقون المحسنون { قَرْضاً حَسَناً } مقروناً بالإخلاص والرضا ، ومصوناً عن وصمة المن والأذى { يُضَاعِفْهُ لَكُمْ } إحسانكم أضعافاً كثيرة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ذنوبكم ، وإن عظُمت وكثرت { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المطلع على إخلاص عباده في أعمالهم ونياتهم فيها { شَكُورٌ } يحسن المحسن جزاء إحسانه أضعافاً مضاعفة ، ويزيد عليها تفضلاً وامتناناً { حَلِيمٌ } [ التغابن : 17 ] لا يعاجل بعقوبة المسيء رجاء أن يعود ويتوب ، ويعتذر لما يصدر عنه من الذنوب . وكيف لا وهو { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } يعلم بعلمه الحضوري منهم عموم ما في استعداداتهم وقابلياتهم من الإخلاص والإنفاق وغيرهما { ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على وجوه الإنعام والانتقام { ٱلْحَكِيمُ } [ التغابن : 18 ] المتقن في عموم الأفعال والجزاء المترتب على الأعمال ؟ ! خاتمة السورة عليك أيها الموحد المتحقق بمقام الفناء في الله ، المستخلف منه سبحانه في عموم الأفعال والآثار ، الصادر منك صورة أن تمتثل بمطلق الأوامر والنواهي الواردة عليك من عند ربك بمقتضى التكاليف المنبئة عن محض الحكمة المتقنة الإلهية ، الجارية على وفق المصلحة المصلحة لأمور العباد في معاشهم ومعادهم ، وتواظب على أداء الفرائض والواجبات الموجبة للعبودية بكمال التسليم والرضاء ، وتلازم على الإتيان بالنوافل والمندوبات المقربة إلى الله ، المستلزمة لمزيد الفضل والعطاء ، فلك التبتل والإخلاص المقارن بالخضوع والخشوع ، والتذلل التام ، والانكسار المفرط في عموم ما جئت به من الطاعات والعبادات . فاعلم أن الناقد بصير ، وحبائل الشيطان في حواليك كثير ، فلا تغفل عن غوائله ، فإن إضلاله إياك سهل يسير ، واتكل على الله في عموم أوقاتك ، واستعذ به سبحانه من غوائله ، فإنه سميع بصير . ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا ، وإليك المصير .