Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 64, Ayat: 1-5)
Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يُسَبِّحُ لِلَّهِ } ويقدس ذاته عن مطلق النقائض على وجه الإطلاق بعدما لم يبلغ كنه أسمائه وصفاته حتى يعد ، ويحصى بتبيان مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } من ذرائر عموم الأكوان ، وكيف لا يقدِّسه جميع الأعيان ؛ إذ { لَهُ ٱلْمُلْكُ } على سبيل التخصيص ، لا مالك له سواه ، ولا مستولي عليه إلاَّ هو { وَ } كذا { لَهُ ٱلْحَمْدُ } على سبيل الحصر والاختصاص ؛ إذ لا مستحق للحمد بالاستحقاق إلاَّ هو ، ولا مفيض للنعم على الآفاق غيره ، ولا مقدر للأرزاق إلاَّ هو { وَ } بالجملة : { هُوَ } بذاته { عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ } دخل في حيطة وجوده { قَدِيرٌ } [ التغابن : 1 ] لا ينتهي قدرته بمقدور دون مقدور . وكيف لا يكون سبحانه قديراً لعموم المقدورات ، مع أنه { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } وأظهركم ، وقدر خلقكم من كتم العدم على سبيل الإبداع بلا سبق مادة ومدو ، وفصَّلكم بعدما أظهركم { فَمِنكُمْ كَافِرٌ } ساتر للحق ، موفق عليه ، محجوب بغيوم هوياته الباطلة الإمكانية عن شمس الحقيقة الحقية { وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } موفَّق على الإيمان ، مجبول على فطرة التوحيد والعرفان ، ميسَّر لها ؛ لذلك يصير إيمانه عياناً ، وعيانه حقاً وبياناً { وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المطلع على عموم ما في استعدادات عباده { بِمَا تَعْمَلُونَ } من عموم الأعمال في جميع الشئون والأحوال { بَصِيرٌ } [ التغابن : 2 ] فيعامل معكم بما يناسب أعمالكم . واعلموا أيها المكفلون { خَلَقَ } سبحانه ، وأظهر بكمال قدرته { ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } أي : مظاهر ما في المعلومات والسفليات ملتبسة بالحكمة المتقنة ، البالغة في الإحكام والإتقان حداً لا يبلغ كنهه أحلام الأنام ، وبعدما رتبها بحكمته على هذا النظام الأبلغ الأبدع انتخب من مجموع الكائنات ما هو زبدته وخلاصته { وَصَوَّرَكُمْ } أيها المجبولون على فطرة التوحيد والتحقيق منها { فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } إذ خلقكم على صورته قابلاً لخلافته ، لائقاً للتخلق بأخلاقه ، والاتصاف بصفوة أوصافه ، وجعل فطرتكم غاية وعلة غائية مرتبة على عموم مظاهره ومصنوعاته { وَ } كيف لا يصوركم بصورته ، ولا يحسن صوركم ؛ إذ { إِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } [ التغابن : 3 ] أي : مصير الكل نحوه ، ومرجعه لديه ، ومبدؤه منه ، ومعاده إليه ؟ ! { يَعْلَمُ } بعلمه الحضوري جميع { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي : عالم الأسماء والصفات من الكمالات اللائقة للظهور والبروز { وَ } ما في { ٱلأَرْضِ } أي : موم ما في استعدادات قوابل الطبائع والأركان من الماديات والمجريات { وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ } أيها المكلفون { وَمَا تُعْلِنُونَ وَ } بالجملة : { ٱللَّهُ } المحيط بالكل بمقتضى تجلية وظهوره عليه { عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ التغابن : 4 ] إذ لا يخفى عليه خافية ، ولا يعزب عن حيطة عمله ذرة . ثمَّ قال سبحانه توبيخاً على من خرج عن ربقة عبوديته : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ } أيها المكلفون المنكرون بظهور الحق وثوبته ، وتحققه في الأنفس والآفاق بالاستقلال والاستحقاق { نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } كقوم نوح وهود وصالح - عليهم السلام - { فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ } أي : كيف ذاقوا ضرر كفرهم وشركهم من العذاب النازل عليهم في النشأة الأولى بعدما أصرُّوا على ما هم عليه ، ولم يهتدوا بإرشاد الأنبياء والرسل { وَلَهُمْ } في النشأة الأخرى { عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ التغابن : 5 ] لا عذاب أشد من ذلك ، وهو حرمانهم عن ساحة عز القبول الإلهي .