Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-3)

Tafsir: Tafsīr al-Ǧīlānī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } المبعوث إلى كافة البرايا ؛ لترشدهم وتصلح أحوالهم ، فلزم عليك وعليهم أصلاً وفرعاً { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } وقصدتم دفع رابطة العلاقة الشرعية بالفرقة الشرعية أيضاً { فَطَلِّقُوهُنَّ } وادفعوا عنهن قيد الألفة المقتضية للزوجية { لِعِدَّتِهِنَّ } أي : في إيتانها ووقتها الذي هو مدة الطهر قبل وقوع الوقائع فيها { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } الكاملة أي : الأطهار الثلاثة مع المطلقات الثلاثة ؛ حتى تقع كل طلقة في طهر { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } المنتقم الغيو الذي ربَّاكم على مقتضى العدالة ، فعليكم ألاَّ تتجاوزوا عنها ، فلا تزيدوا على عدتهن بالمراجعة عليهن ، ثمَّ تطلقوهن . فعليكم أن { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ } بالتعدي بعد وقوع الطلاق { مِن بُيُوتِهِنَّ } أي : مساكنكم التي كن فيها قبل الفرقة ؛ حتى تنقضي عدتهن فيها { وَلاَ يَخْرُجْنَ } أيضاً بأنفسهن بعد الفرقة من مساكنهن بلا رضاً منكم أيها المطلِّقون ، بل لا بدَّ لهن أن يعتددن فيها { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } أي : زناً يشهد له شهود على الوجه المعتبر في الشرع ، فحينئذٍ يخرجن ؛ لإجراء الحد عليهن ، فيصبح هذا الاستثناء من كلا الحكمين السابقين . { وَتِلْكَ } الحدود المذكورة { حُدُودُ ٱللَّهِ } العليم الحكيم ، الصادرة عنه بمقتضى الحكمة البالغة المقتضية للعدالة الكاملة { وَمَن يَتَعَدَّ } ويتجاوز { حُدُودَ ٱللَّهِ } المنتقم الغيور { فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } بالعرض على عذاب الله عاجلاً وآجلاً ، إنه { لاَ تَدْرِى } وتعلم نفس المطلِّق المجاوز عن الحد الشرعي بالتطويل في العدة ، والتهاون على المرأة أو نفس المرأة المطلقة بإتيان الفاحشة في أوان العدة وغيرها { لَعَلَّ ٱللَّهَ } المقتدر { يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ } التفريق والبينونة { أَمْراً } [ الطلاق : 1 ] بأن جعل للمطلق بدل تلك الزوجة المطلقة زوجة سليطة مسلطة عليه ، أو جعل للمطلَّقة زوجاً أشد إيلاماً منه . وبالجملة : { فَإِذَا بَلَغْنَ } أي : المطلقات { أَجَلَهُنَّ } أي : شارفن على انقضاء عدتهن { فَأَمْسِكُوهُنَّ } وراجعوا إليهن { بِمَعْرُوفٍ } مستحسن عقلاً وشرعاً ومروءةً ، نادمين على ما صدر عنكم من الطلاق ، محسنين إليهن ، معطين لهن من الأمتعة جبراً لما كسرتم { أَوْ فَارِقُوهُنَّ } بعدما لم يبق بينكم وبينهن رابطة المحبة ، وعلاقة الألفة { بِمَعْرُوفٍ } مستحسن مرضي لدى الشارع ، مقبول عند عموم أرباب المروءات ، بلا شرر ولا ضرار ، وبلا أخذ شيء مما يتعلق بهن من الأمتعة المنسوبة إليهن عرفاً ، بل أعطوهن شيئاً آخر معتداً به ؛ ليعترفن بثنائكم وشكركم ، ويدعون لكم بدل ما يدعون عليكم . { وَأَشْهِدُواْ } أيها المؤمنون عند اختيار الرجعة والفرقة { ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } قطعاً لعرق الخصومة والنزاع ، وبعداً عن التهمة { وَأَقِيمُواْ } أيها الشهود { ٱلشَّهَادَةَ } الموكولة لكم { لِلَّهِ } طلباً لمرضاته سبحانه ، وحافظوا عليها ؛ كي تؤدوها لدى الحاجة { ذَلِكُمْ } الذي سمعتم من محافظة الحدود ، وإقامة الشهود ؛ لحفظ الحقوق والعهود من جملة المواعظ والتذكيرات التي وضعها الحق بمقتضى حكمته بين عباده ؛ ليحافظوابها آداب العبودية . إنما { يُوعَظُ } ويتذكر { بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } ويوقن بوحدة ذاته ، ويصدق برسله المبعوثين من عنده ، المؤيَّدين من لدنه { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } المعدّ ؛ لتنقيد الأعمال ، وترتب الجزاء عليها ، فإن غير هؤلاء السعداء الأمناء التائهون في تيه الضلال بأناع الوزر والوبال ، لا تتعظون بها وبأمثالها { وَ } بالجملة : { مَن يَتَّقِ ٱللَّهَ } ويتحفظ نفسه عن قهره وغضبه ، ويحافظ على رعاية حدوده الموضوعة من لدنه ؛ لحفظ حقوق عباده ، سيما حقوق الزوجية والائتلاف من كلا الطرفين ، ويتوكل عليه في عموم أحواله ، ويفوِّض أموره كلها إليه { يَجْعَل لَّهُ } سبحانه { مَخْرَجاً } [ الطلاق : 2 ] عن مضيق الإمكان المورث لأنواع الخذلان والخسران . { وَيَرْزُقْهُ } ويسوق إليه جميع حوائجه المحتاجة إليه في معاش عياله { مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } أي : من مكان لا يترقبه ، ولا ينتظره { وَ } كيف لا { مَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } مخلصاً له ، مفوضاً أمره إليه { فَهُوَ حَسْبُهُ } وكافيه ، يكفيه جميع المؤنة المحتاجة إليه في النشأة الأولى والأخرى ؟ ! وكيف لا { إِنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر على عموم المقادير { بَالِغُ أَمْرِهِ } بعدما فوَّض إليه سبحانه بالإخلاص والتسليم إلى حد قدَّر الله له في حضرة علمه ، ولوح قضائه ؛ إذ { قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ } القدير الحكيم { لِكُلِّ شَيْءٍ } من الأشياء الظاهرة حسب أظلال الأسماء والصفات الإليهة { قَدْراً } [ الطلاق : 3 ] أي : مقداراً معيناً من الكمال في عموم أفعاله وأحواله على مقتضى الاستعدادات الفطرية ، والقابلية الجبلية ؟ !